رسالة الكاتب الأول للاتحاد

من حق المغاربة، من كل الأجيال أن يحتفلوا احتفالا استثنائيا هذه السنة بذكرى المسيرة الخضراء، بالنظر إلى طبيعة المرحلة،داخليا وخارجيا وبالنظر إلى طبيعة المكتسبات التي تحققت طوال الدفاع عن كيان الأمة الموحد. فقد مرت ست وأربعون سنة على المسيرة الخضراء، التي وحدت تراب المملكة جنوبا،
وكانت كلها سنوات للعمل ، والتعبئة والمجهود الوطني الجماعي، أثبتت فيها بلادنا قدرتها العالية على المقاومة والدفاع وبكل أشكال الكفاح، من الكفاح المسلح في حرب دولية بأدوات إقليمية، تنوع فيها الخصوم وتعرت فيها الكثير من الأقنعة، إلى حروب الديبلوماسية في كل بقاع العالم، وفي قلب منظمة الأمم المتحدة،علاوة على قدرةالبلاد على
الدينامية الديموقراطية وبناء دولة الحق والقانون.. تكتسي الذكرى هذه السنة دلالة خاصة وطعما مميزا،
داخليا وخارجيا.. وإذا كان المغاربة قد كشفوا عن معدنهم الأصيل ونبل دمهم
وعراقة دولتهم وعميق وطنيتهم،أمام الزحف الإيديولوجي العقيم، في ظروف دولية لم يتبق منها سوى الأرشيف السري للقمع المأدلج،فإن البقيةالباقيةمن زمن الحروب الباردة والساخنة معا، ما زالت تعاند التاريخ والحقيقة، في محاولة
إثبات الوجود على حساب الحق والمنطق والأخوة.. ولعل السياق الحالي له معنى خاص ونكهة غير مسبوقة، ونحن نخلد أزيد من أربعة عقود ونصف، من الحدث الملحمي
الوطني الرائع. – من مسيرات الذكرى: المسيرة الديبلوماسية، وفي هذا
الباب، كان للقرار الدولي الصادر عن مجلس الأمن مؤخرا، بخصوص القضية الوطنية الكبرى، وقع إيجابي لدى المغرب، من القاعدة إلى القمة. كما ارتاح المغاربة للوعي الدولي العام، بطبيعة النزاع الإقليمي، وأيضا بطبيعة الحل
الممكن ووسائل العمل المفضية إليه. لقد أقبرت الأمم المتحدة،وجهازها التنفيذي مجلس الأمن،
خيار الاستفتاء،الذي صار مستحيلا، وتم الاتفاق دوليا على أن الأسلوب المناسب هو أسلوب الموائد المستديرة، التي تجمع كل لأطراف المعنية بالنزاع..والأجدى من ذلك،هو أن الأفق الوحيد الممكن، بإقرار دولي أممي، هو أفق الحكم الذاتي الذي قدمه المغرب كحل واقعي وعملي سياسيا، ومتوافق عليه. ومن عناوين المسيرة الديبلوماسية الجديدة، بانخراط شخصي لملك البلاد، تكريس وضع المغرب كدولة رائدة إقليميا وقاريا، في طليعة الدول العاملة من أجل تعاون جنوب – جنوب في خدمة القارة السمراء، وقد كانت عودة المغرب إلى أسرته المؤسسية في الاتحاد الإفريقي،نقطة تحول جوهري في ما يخص قضيتنا الوطنية،كما هو الأمر بالنسبة للمنظمة الإفريقية نفسها، التي بدأت تدرك غاية وجودها،بعيدا عن الهيمنة الإيديولوجية والاستخدام التاكتيكي في الحرب
الداخلية للقارة.. – المسيرة التنموية: قد كانت الصحراء المغربية العنوان
الأبرز للتنمية في بلادنا، وكان من الواضح أن التعبئة من أجل خدمة الساكنة،خطة تأمين الوحدة عبر الإنسان لقيت ترحيبا دوليا، وأعطت للمغرب فرصة لا تتاح للدول في كل حين، لإعادة النظر في نموذجه التنموي، وإعادة النظر في الطبيعة الترابية الجديدة للدولة من خلال خدمة الجهوية المتقدمة، ويجدر بنا أن نحيي أبناءنا في الأقاليم الصحراوية على غيرتهم الوحدوية، وانخراطهم الواسع في التعبئة السياسية
لإنجاح هذه الجهوية في أفق الحكم الذاتي. وك�ان من اللافت كذلك أن الممثلين الحقيقيين لأبناء
الصحراء قد أصبحوا رقما أساسيا في كل المعادلات الديبلوماسية،بما فيها الموائد المستديرة التي تمت في 2018 و2019..

  • المسيرة الديموقراطية: وفي هذا المضمار حرص المغرب على تطوير تجربته الديموقراطية، بأفق إنساني رحب، وخيارات تعددية صلبة،عبر إصلاحات دستوريةعميقة، تمتح من الثقافة الكونية والإنسانية مقومات الانخراط الإيجابي
    والإرادوي في نادي الدول الديموقراطية.. والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كتيار تقدمي وطني
    هو القادر على قياس المنعطف الذي تحقق في هذا المجال، والتقدم الذي حصل في الشرط الديموقراطي،كرافعة جوهرية للتعبئة الوطنية واللحمة الوطنية الدائمة..
    وقد أثبت المغرب في العشريتين الأخيرتين قدرته على التطوير الديموقراطي الذاتي، كما قدرته على تدبير مخلفات الربيع العربي، في وقت انهارت دول وأنظمة، وتلكأت أخرى
    في الانخراط الديمقراطي المؤسساتي.. ومقابل ه�ذه المسيرات المترادفات لخدمة المغرب
    والمغاربة، يعجز الطرف المعني بالنزاع الإقليمي في الجوار الشرقي عن التحرر من عقده الماضوية، ومن وساوسه الترابية إزاء بلادنا. ومن اللافت أن نشير إلى أن الجمود الذي طال
    في الجارة الشرقية، يتزامن مع المعطيات التالية: * وصول جيل أمغالا الأولى والثانية، في الحرب المفتوحة ضد المغرب إلى أعلى هرم السلطة، ليتأكد للعالم أن الأسرى السابقين في حرب الدفاع عن الوحدة الترابية والوطنية الملحمية، هم الدليل البشري على كون الجزائر طرفا في
    الصراع، وهو ما توصلت إليه كل عواصم القرار الدولي؛ * الإصرار على تأزيم الأوضاع في شمال إفريقيا وفي غرب المتوسط، بحيل وتاكتيكات غاية في السلبية، استطاع المغرب أن يتعامل معها بحزم وجدية، بندية أذهلت العالم، وأثبتت قدرة البلاد على فرض سيادتها في ما يخص مصالحها،
    وعلى رأسها الوحدة الترابية. * العزلة القاتلة للنظام العسكري، داخليا وخارجيا، والتي
    يريد أن يسوقها عبر طبول الحرب، في وقت أعادت المسيرة الخضراء إلى الأذهان العقيدة السلمية التي اختارها المغرب، ملكا وشعبا، أسلوبا في تحرير ترابه الوطني.
    والمغرب الذي يؤمن بالسلام، قادر في الوقت ذاته على حماية أرضه وشعبه في الصحراء وفي كل التراب الوطني، مع الوعي التام بأن المجتمع الدولي يعرف فيه شريكا جديا وله مصداقية قراراته،التي لا يتخذها بالمزاجية الحربية
    والجنوح إلى التدمير، كما يفعل آخرون في المنطقة.. إن المسيرة الخضراء اليوم عند المغاربة أسلوب وجود، وروح تمس بحرارتها كل مناحي الحياة الوطنية.ويحسن بالمغاربةأن يفتخروا بها،وهم يشاهدون ما يتحقق بفعل الوحدة الوطنية والاجتهاد الديموقراطي والمجهود التنموي،
    لخلق مجتمع متضامن وحداثي،بدولة قوية وعادلة.

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

الفريق الاشتراكي يطالب بمنهجية تشاركية لأجل قانون إضراب يخدم المجتمع

بيان منظمة النساء الاتحاديات

من مقترحات تعديلات المعارضة الاتحادية إعفاء جمعيات المجتمع المدني 

يوسف إيدي لرئيس الحكومة: «أين نحن من الاكتفاء الصناعي؟»