بقلم: مصطفى المتوكل الساحلي
الاتحاد معارض بطبعه لكل ما يخالف الحق والعدل، وهو تراث وطني حي في ملك الشعب، وهو قلب اليسار والتقدمية، وهو ضرورة بفكره النقدي واجتهاده للسير قدما مع قوى اليسار والقوى الوطنية بالديموقراطية نحو دولة الحق والقانون، التي تكون في خدمة الشعب بإلغاء الفقر والسياسات الطبقية المتسلطة، وبإشراك الجميع لبناء الوطن، سياسيا واقتصاديا، في برامج تنموية تترجم إرادة وطموحات الشعب في الرخاء والتقدم والازدهار بمجتمع المعرفة المتجددة والمتطورة، التي تحمي القيم والتراث المشترك وتحترم معايير النهضة، التي لا تميز بين مكونات الشعب والمجالات التي يتواجد ويحيى فيها.
لهذا فالحديث عن التجديد والتحديث والتغيير في الاتحاد الاشتراكي لا يجب أن يعني إطلاقا بناء حزب آخر يقطع مع التاريخ والخط النضالي والهوية الاتحادية، ولا أعتقد أن هناك من يفكر في أن يجعل الاتحاد يعتمد هوية غير اتحادية، ولا أظن أن هناك من يريد جر الاتحاد إلى طبيعة وسياسة سنوات الجمر والرصاص، التي كانت السياسات الحكومية سببا فيها، حيث خرج الاتحاد للدفاع عن الجماهير الشعبية، التي يحمل اسمها، فقدم تضحيات لاحصر لها لايمكن القفز عليها بأية توصيفات وتحليلات يقدمها ويعرضها خصوم الحزب التاريخيون والمعاصرون الظاهرون والخفيون.
إن قرارات الحزب ومبادراته، طوال تلك السنوات، هي سياسات للاتحاديين والاتحاديات ومعهم أضعاف مضاعفة من غير المنضمين وغير المنخرطين من متعاطفين ومتعاطفات وناصرين وناصرات ومحترمين ومحترمات لبيت الوطنية والاتحاد ورموزه الرياديين، لهذا نقول إن الاتحاد ملك لكل الاتحاديين والاتحاديات وللشعب المغربي، وهو عصب السياسة في الدولة ورمز للتوازن والتعقل والحكمة في السياسات العمومية، إنه أثر ويؤثر في سياسات الدولة المغربية وسير المشهد السياسي والمدني العمومي، كما أثر في سياسات وأحزاب من العالم بفضل السياسيين القياديين التاريخيين والمفكرين والأطر والنخب التي تعتبر قدوة …
إن الاتحاد بروحه الوطنية لايقبل نقيض مبادئه ويرفض كل ما يمس بمصداقيته وهويته، ويواجه بعزيمة وتعقل الخصوم الذين يسعون لإبادة رصيده التاريخي والنضالي ولا يألون جهدا لاستنزاف طاقاته وتقزيمه وجعله مفلسا في السياسة والتأطير، إننا لسنا عربة بدون قاطرة لتجرنا أية أغلبية مصطنعة – يعلم الجميع هوياتها وتاريخها وغاياتها وكيفيات تعامل البعض منها مع السياسة والانتخابات – لإشراكنا في «حكومة ما « لتمرر علينا وبنا قرارات وسياسات نحن ضدها بمبادئنا ومرجعياتنا المذهبية لأنها تلحق الأضرار بالمكتسبات وبأوضاع القوات الشعبية، التي هي روح اسم الحزب، كما نرفض، جملة وتفصيلا، دعوات البعض لمشاركتهم بمقاعد وهمية يعينونها، بمقاعد مرة لتسخين أكتاف البعض ومرة لتبريد أخرى للاستقواء بنا ؟! ..وهنا نكتب ما قاله أحد الوطنيين والقياديين التاريخيين للاتحاد لأحد العمال: « … لوكان همنا الوحيد هو أن نتولى مسؤوليات حكومية وطنية لكنا في الحكم مع جلالة الملك بعد الاستقلال ولتناوب أو تشارك الحكم الحزبان الرئيسيان بالمغرب الاستقلال والاتحاد ومعهم ثلاثة أحزاب أقل قوة منهما، ولما كان أمثالك – مخاطبا عامل الإقليم – جالسا على كراسي الدولة والسلطة …».
إن الدولة والشعب في حاجة لاتحاد قوي بكل رجاله ونسائه قادر على استيعاب واسترجاع المتعاطفين والمتعاطفات والناصرين والناصرات والنخب المغربية المختلفة في جميع القطاعات على قاعدة مشتركة تتجسد في الوفاء للفكر والخط النضالي الاتحادي، الذي خط مبادءه ومساراته الشهداء والقادة المؤسسون للوطنية والحزب، الاتحاد المدرسة، التي تؤطر الجميع بالروح الوطنية النقدية البناءة والممتلكة للقوة الاقتراحية المتجددة بترافع رصين ومؤسس لكل ما هو إيجابي وحداثي وتنموي، وتنصح وتنتقد وتنبه المؤسسات لسلبيات ومخاطر سياسات واختيارات وبرامج وقرارات وحتى تصريحات غير منضبطة لشروط الحكامة والتوازن والعدالة الاقتصادية والاجتماعية والمعرفية.
إن رموز الأسرة الاتحادية الكبيرة وقياداتها هم أعلام وشواهد على محطات وأزمنة من تاريخ الوطن، حتى الدولة لايمكن أن تتجاهلهم، لهذا اعترفت بهم وبنضالهم وتضحياتهم وفتحت لهم قنوات للحوار والتفاوض أكثر من مرة في أوج الصراع، وفي مراحل اتقاد جهنمي للجمر لإيجاد مخرجات من الاحتقان وللاستجابة أحيانا لمطالب دستورية وحقوقية واجتماعية وإنسانية..، كما شهدت بوطنيتهم وأفضالهم النضالية الخالصة للوطن في مختلف المجالات رغم قيادتهم لمعارضة جريئة ضد قراراتها منذ نهاية الخمسينيات، فرغم القمع المتعدد الأشكال والأنواع والعنيف، الذي امتد لعقود، نظمت ودعت الدولة لجلسات الحوار مع المعارضة وأسندت للبعض منهم في ظرفيات وطنية حساسة مسؤوليات بالحكومة وبعض المؤسسات والهيئات العمومية كما تقررت المصالحة لطي صفحة الماضي بإبداع ودعم من المؤسسة الملكية ومن قادة وطنيين بارزين، وبشراكة فاعلة لقيادات اليسار المتعدد والأحزاب الوطنية من داخل الوطن وخارجه، بل وفتحت الدولة قبل ذلك وبعده أبواب إشراكهم وتمثيلهم في مختلف مراكز الاستشارات والقرار، فالبعض منهم مستشارون للملك والبعض الآخر أصبح وزيرا أول في حكومة التناوب، إلى جانب السفراء والسفيرات والمدراء العامين لمؤسسات وطنية دستورية وعمال، وكل هذا لم ولن يبطل الصفة الانتمائية للحزب عنهم ولم ولن يشكل طعنا في هويتهم الاتحادية …إلخ .
إن الاتحاد معارض بطبعه لكل ما يخالف الديموقراطية والعدالة وحقوق الإنسان، وما يمس بالقيم النبيلة والسياسات الرشيدة سواء داخل الحزب أو بالدولة أو بالحكومة، إن الاتحاد صوت قوي بمصداقيته التاريخية الوطنية والنضالية وفكره التقدمي المتنور وبوفائه وارتباط هويته بمصير وقضايا الجماهير الشعبية، وليس فقط بمقاعد في الحكومة أو الجماعات أو البرلمان، لانستطيع فيها وبها أن نترجم حتى الحد الأدنى من قناعاتنا ومبادئنا وبدائلنا في الواقع خدمة للوطن والدولة والشعب، وهذا لا يعني إطلاقا جمودا ماضويا بل واكبه ويواكبه، بوعي واجتهاد، لتطوير وتجديد الفكر والمبادئ والخط المرحلي بنظرة استراتيجية متفائلة بالنضال الاتحادي، الذي يميز كل مرحلة يدبرها رجال ونساء الحزب مع حرصهم على احترام وتثمين قيم الوفاء والرصيد النضالي التاريخي، الذي أوضح معالمه ومرتكزاته الشهيد المهدي بنبركة في وثيقة الاختيار الثوري، والشهيد عمر بنجلون في تقديمه للتقرير الإيديولوجي والوثائق المكتوبة والمسموعة والمرئية التي تركها مفكرون وفلاسفة وقيادات منهم عبد الرحيم بوعبيد واليوسفي والجابري ..إلخ، رحمهم الله، وما زال بيننا منظرون متميزون شاركوا وواكبوا إعداد وثائق اقتصادية ومجتمعية وأخرى تتعلق بالمنهجية الديموقراطية والحقوقية …
إن عبد الرحيم بوعبيد، رحمة الله عليه، عندما قال:» المقاعد لاتهمنا»، فهو يعلم أن كل ما يبنى بالباطل وبالمال المشبوه وبالتحايل وبالريع والإقصاء الممنهج باطل وغير شرعي وفي حكم الفاسد، وأن القوة ليست بالعدد بل بالصدح بالحق والتشبث بالبدائل العادلة، ولو بأقلية يقويها الحق وصفاء النضال، ذلك لأن المجتمع قادر على التمييز بين الصادقين في أقوالهم وأفعالهم من «غيرهم «، وبالتالي يتعاطف معهم ويدعمهم ويعتز بهم وبوجودهم لأنهم يقومون إلى جانب المستضعفين للدفاع عنهم وإسماع صوتهم، ومرارا أعلنت الدولة أن الاتحاد على حق في ما ذهب إليه في عدة قضايا، ونخص منها بالذكر قضية الصحراء المغربية، التي خالف فيها توجه الدولة ليعتقل كاتبه الأول عبد الرحيم بوعبيد رفقة الإخوة اليازغي ومنصور وخيرات والحبابي والفرقاني…إلخ ، تزامنا مع اعتقالات في صفوف الكونفدرالية الديموقراطية للشغل، بعد الإضراب الوطني لسنة 1981 احتجاجا على الغلاء والأزمة الاقتصادية والاجتماعية، التي طالت العديد منهم (الأخ محمد نوبيرالأموي، الكاتب العام للكونفدرالية، والإخوة محمد كرم، الكاتب الإقليمي للحزب بالدار البيضاء، وعبد الكبير البزاوي، ومحمد المراني، ومصطفى القرشاوي …إلخ).
قال عبد الرحيم بوعبيد في وصيته الأخيرة : « إن فرض مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان يتطلب الصبر .. فنحن لنا في هذه البلاد رسالة نريد أن نؤديها على أحسن وجه، وأن نمهد الطريق للأجيال الصاعدة .. إننا نشعر بالاطمئنان على ما قمنا به من أجل الوطن، وإن كان ليس هو الكمال، ومع ذلك نعتبر بأن ما أسديناه من عمل متواضع يتجه إلى الشعب وإلى المصلحة العامة…».
إننا نفهم حيثيات وأسباب وخلفيات أن يكون البعض من أبناء الاتحاد متواجدين في أغلب الأحزاب، يمينا ويسارا، وبقياداتها وبمؤسسات الدولة وبالعمل الديبلوماسي، لكن لا نقبل أن يتحول حزبنا إلى رقم يشرك في الحكومة أو يبعد عنها بمزاج من يرأسها، إن كل مخططات ومناورات إضعاف وتقزيم وتلغيم الأحزاب الوطنية التاريخية هو دعوة للانتحار السياسي وتجهيل للسياسة وتعطيل لمجتمع المعرفة ونظم الحكم…
فلنعمل وفق فطرتنا، التي أبدع روحها الوطنيون والقياديون والشهداء وخطوا طريقها المشرف من أجل نصرة الديموقراطية والتحرير والعدالة الاجتماعية والاقتصادية وإرساء دولة المؤسسات، إن من مصلحة الوطن والشعب أن لا ننخرط ونجتمع في كفة واحدة مع من تتسبب سياساتهم في الإضرار بالشعب وبالديموقراطية وبالتقدم والمساواة، ومن يسعون لسحل حزب القوات الشعبية وإقبار كل ما هو نبيل وثمين في تراثنا وتاريخنا النضالي المجيد …
إن الاتحاد معارض بطبعه لكل ما يخالف الحق والعدل، وهو تراث وطني حي متجدد لا تتغير هويته بتغير الفصول والأحداث، سواء أكان داخل حكومة منسجمة مكونة من أحزاب تجمعه معهم برامج تتوافق مع أهدافه النبيلة، أو كان خارجها.
تعليقات الزوار ( 0 )