أعاد المجلس الوطني للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية تجديد معنى الالتزام السياسي والانتماء الديموقراطي الطوعي إلى الفعل الجماعي، كما أقام التمييز الضروري الذي تستوجبه المرحلة، بين الانخراط الفعلي الناجع والمنتج وبين الترف الفكري الذي يستهوي بعضا من الناس.
فالاتحاديات والاتحاديون اجتمعوا لساعات طوال، وناقشوا وتفاعلوا مع بعضهم البعض واختلفوا، بحدة أحيانا، واتفقوا بأخوية عالية، أحيانا كثيرة، ثم احتكموا إلى الآليات الديموقراطية المتعارف عليها كونيا، ليتفقوا في نهاية مجلسهم الوطني على خارطة الطريق، السياسية والتنظيمية السالكة المؤدية إلى مؤتمرهم الحادي عشر.
هل انتهى كل شيء؟
أبدا، بل بدأ كل شيء لأجل إيجاد الأجوبة، الواقعية والموضوعية، على الأسئلة التي يضعها الحزب على نفسه، كما الأسئلة التي يفرضها موقعه في المجتمع، وكذا الموقع الذي اختاره في التفاعل مع مكونات الحقل الوطني الأخرى.
في ذلك كان على الاتحاديات والاتحاديين أن يكرسوا دعائم مؤتمر ديموقراطي تعددي، بنَفَس وحدوي اختياري لتصليب الذات وفتح الآفاق لانفتاح أكبر فأكبر وفهم طبيعة المنعطف الذي يدخله المغرب…أولا!
إلى ذلك، كان الاتحاديون يعبرون عن غيرة متوارثة ووراثية، على حرية قرارهم واستقلاليته من خلال تدبير تمليه عليهم سيرة ستين عاما من الوجود، هذه الاستقلالية التي أصبحت جزءا من حِمْضِهم النووي التنظيمي والإيديولوجي والسياسي.
وهنا لا بد من التذكير أن هذه القناعة الاتحادية الخالصة بدأت تصبح قناعة عامة لدى كل الفاعلين في الحقل الحزبي وفي مربعات القرار بأن الديموقراطية الداخلية للتنظيمات السياسية تدبير داخلي، وأن الجميع ملزم بها، وقد كان لافتا أن مناقشات النموذج التنموي الجديد، قد انتبهت إلى هذا المشترك الوطني الجيد، عندما شددت على احترام استقلالية الأحزاب.
وهي مناسبة لنذكر بأن القيادة الاتحادية سبق أن أثارت الموضوع مع أعضاء اللجنة الذين التقتهم عند تقديم توصياتها، واتفق الجميع بأن واجب التحفظ يلزم الذين ينشطون باسم الدولة أو يتولون مهامهم كامتداد لها، بالابتعاد عن الخوض في شؤونها، أو التخلي عن قبعاتهم الرسمية والولوج إلى الفعل الحزبي من أبوابه المفتوحة والمتاحة..فمن مقومات بناء الثقة أن يلتزم الجميع باحترام استقلالية المرفق العام في الحياة الحزبية …
ومن المحقق أن رسائل المجلس الوطني، وهي مقدمة لرسائل قادمة وأخرى سيرسلها المؤتمر المقبل لا محالة، لا تقف عند هذا الحد، بل تذهب في اتجاهات كثيرة:
– رسالة إلى عموم القواعد بأن حزبهم بخير، وأن حرارة النقاش لا خوف منها ولا حزن، بل هي ضرورة فكرية وسلوكية وبيداغوجية لتجديد الدم والهواء النقي في الداخل وفي المحيط…
-رسالة إلى عموم العاطفين والمناصرين والمتابعين النزهاء بأن حزب القوات الشعبية، كما عهدوه، قد اختار، بوعي ومسؤولية، طريق الوحدة المبنية على التعددية في الترشيحات، والتعددية في المقاربات، للخروج بقاعدة عمل موحدة أثبتها التصويت بالإجماع على الورقة السياسية وبالأغلبية الساحقة على الورقة التنظيمية.
-رسالة إلى الذين أصبحوا مفتين خاصين في الشأن الداخلي لحزب القوات الشعبية، يحدوهم في ذلك نوع من التضخم النرجسي، الذي يتيح لهم حق التصرف في ملكية وطنية سياسية تنظيمية صقلها المناضلون جيلا بعد جيل، بدون عناء دفع ثمن الانتماء ولا تحمل مسؤوليته، سلبا كان ذلك أو إيجابا…
فقهاء يستبدلون عطالتهم العملية بقوانين الصفقات العمومية، باعتبار التنافس في مسؤولية حزب كبير مثل الاتحاد لا يعدو أن يكون »طلب عروض….ديموقراطي« مفتوح بلا شروط ولا إيمان !!
ولعل أهم رسالة للمجلس الوطني هي رسالة الالتفاف حول المبادئ السامية، مبادئ الوفاء وربط المسؤولية بالمحاسبة وتأمين شروط التنافس التعددي واحترام متطلبات اللحظة الديموقراطية ممثلة في المؤتمر كأعلى سلطة في اتخاذ القرار ورسم معالم الطريق نحو المستقبل.
تعليقات الزوار ( 0 )