أي تطوير لمواقفنا من القضايا الكبرى ببلادنا؟

إصلاح سير المؤسسات الدستورية وتأطيرها الدستوري

سيادة القانون وإصلاح منظومة العدالة

الجهوية المتقدمة: تدخل الدولة استثناء فقط

الورش الحقوقي من أجل الديمقراطية ودولة الحق والقانون

الطفولة، الشباب، الأشخاص في وضعية إعاقة، الفئات

في أوضاع صعبة، الترفيه والرياضة، المجتمع المدني، البيئة

النساء، الثقافة، التواصل، المسألة الدينية، المسألة اللغوية

في ضرورات تأقلم الاشتراكية الديمقراطية

تتضمن الورقة السياسية، العديد من العناوين الرئيسية والفرعية، وقد اعتمدت في خطوطها العامة على كل من البيان العام للمؤتمر الوطني العاشر، المقرر التوجيهي للمؤتمر الوطني العاشر، مجموعة من بيانات اللجة الإدارية والمكتب السياسي، مساهمات الحزب في كل من النموذج التنموي الجديد والإصلاح الضريبي الشامل، إضافة إلى مبادرة الكاتب الأول بخصوص إدارة البلاد في ظل جائحة كورونا، مع الرجوع أحيانا لأدبيات ووثائق الحزب التاريخية.

إن تطوير مواقفنا ودعلها متلائمة مع الأوضاع الجديدة، يتطلب قراءة في مواقفنا من العديد من المجالات التي تُميز الاتحاد الاشتراكي، وتجلب له اهتمام الرأي العام التابع لمواقف حزب القوات الشعبية. وسنُعالج هنا تباعا كلا من الأوراش السياسية والمؤسساتية، الورش الاجتماعي، الورش الاقتصادي، الورش المجتمعي، ثم القضايا الكبرى.
الورش السياسي والمؤسساتي (5): (إصلاح سير المؤسسات الدستورية وتأطيرها الدستوري، سيادة القانون وإصلاح منظومة العدالة، الورش الحقوقي، ورش الجهوية المتقدمة، ورش المنظومة الانتخابية).

أولا: إصلاح سير المؤسسات الدستورية وتأطيرها الدستوري

يُشكل مرور 10 سنوات على صدور دستور 2011، محطة أساسية للبحث في مدى تأطيره للحياة السياسية بشكل فعال، ومدى إمكانية مُعالجة بعض الثغرات التي أبانت عنها الممارسة. فبقدر ما يُمثل الدستور الجديد ميثاقا سياسيا مُتقدما، بقدر ما ينبغي أن نُتابع تطبيقه للوقوف على الصعوبات التي يُمكن أن تواجه تنفيذه، وأن نعمل على تطويرها.
لقد كان للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الدور الأساس في التوجيه لورش الإصلاحات السياسية والدستورية ببلادنا، انطلاقا من دستور 1962 وصولا إلى دستور 1996 الذي حقق جزءً من مطالبنا بشكل سَهل اعتماد التناوب التوافقي. ورغم تخلي حلفائنا آنذاك عن المطلب الدستوري، فإننا بادرنا، ولوحدنا، برفع مذكرة تتضمن تصورنا لمراجعة شاملة للدستور (2009).
ورغم أهمية الحراك المجتمعي الذي شهدته بلادنا، على غرار العديد من دول المنطقة، فإننا لاحظنا أن الشعارات التي تم رفعها، رغم طابعها الشبيبي، وانخراط أطياف متعددة حزبيا ونقابيا ومدنيا، فإنها لم تستطع تجاوز سقف مطالب الأحزاب الوطنية الديمقراطية بصفة عامة ومطالب الإصلاح الدستور للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بصفة خاصة. لقد كان كل من شعار «إسقاط الفساد»، وشعار «الملكية البرلمانية»، تكثيفا لمطالب كان الصراع حولها قد حقق مكاسب جعلت من أنه لم تكن هناك مكانة لشعار إسقاط النظام كما حدث في مجتمعات أخرى. وهذا ما أدى بشكل سريع لتجاوب الدولة بفتح ورش المراجعة الشاملة للدستور، وفق أسس مُتقدمة وآليات عمل جديدة أساسها المقاربة التشاركية بناءً على مرتكزات مُتقدمة وعالية حددها الخطاب الملكي 9 مارس 2011.
وعند دخول بلادنا ورش تطبيق المقتضيات الدستورية وإصدار القوانين التنظيمية والعادية اللازمة، لاحظنا أن الحكومة المحافظة التي قادت العشرية الموالية لدستور 2011، مُستنِدة في جل الحالات على الأغلبية العددية، أفرغت العديد من المقتضيات الدستورية من جوهرها المتقدم من ناحية، وقامت بممارسات سياسية داخل المؤسسات الدستورية أخلت بالسمة المتقدمة لدستور 2011 من جهة أخرى.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لن يتوقف عن الدفاع عن مبدأ مؤسسات دستورية قوية، وعليه واجب التنبيه للثغرات الدستورية التي ينبغي معالجتها على إثر 10 سنوات من التطبيق. وبهذا الخصوص، فإننا سنستمر في الدفاع عن المؤسسة التشريعية قصد رفع هيمنة الممارسات الحكومية عنها وإحداث التوازن اللازم بين الأغلبية والمعارضة، وإعادة النظر في المنظومة التشريعية لكل النصوص ذات الصلة بمؤسسات حماية حقوق الإنسان والنهوض بها، وهيئات الحكامة الجيدة والتقنين، وهيئات النهوض بالتنمية البشرية والمستدامة والديمقراطية التشاركية قصد تحويلها إلى مؤسسات داعمة للعمل الحكومة في وضعها لسياساتها العمومية كقوة اقتراحية قائمة على تقديم الخبرة بأطر يتم اختيارها بناء على كفاءتها، وليس على انتماءاتها السياسية أو النقابية أو الجمعوية.
وإضافة لذلك، فإن مجالات أخرى تتطلب الاهتمام الدستوري، من قبيل مبدأ سيادة القانون، والمزيد من عقلنة الزمن البرلماني، وتدقيق علاقة السلطتين التشريعية والتنفيذية، ومنظومة العدالة، وبعض مؤسسات الحكامة.
وإذا كان دستور 2011 قد وضع المبادئ العامة لتنظيم وسير المؤسسات الدستورية، وترك للقوانين التنظيمية والقوانين العادية صلاحية تدقيقها، فإن الممارسة العملية أبانت على أن العديد منها لا يزال يحتاج للتجويد أو حتى لإعادة النظر.
إن الولاية التشريعية الأولى لمرحلة ما بعد صدور الدستور، لم تعتمد المقاربة التشاركية والتوافقية التي تم اعتمادها لصدور الدستور نفسه، بل ارتكزت على الأغلبية العددية، وهو ما أدى إلى اعتماد نصوص لا زالت قاصرة عن تأطير الحياة السياسية. إن بلادنا في حاجة إلى المزيد من النقاش والتعديل والتدقيق لكل المنظومة القانونية والتنظيمية المؤطرة للمؤسسات الدستورية الوطنية، والجماعات الترابية، وإعادة النظر في القوانين المنظمة لمؤسسات وهيئات الحكامة. فالأمر يتعلق بأوراش مفتوحة، ينبغي أن تبقى حاضرة في جدول أعمال حزبنا.
وبهذا الخصوص، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، سيستمر في الدفاع عن تعديل القانون التنظيمي للأحزاب السياسية بما يُحقق بشكل أكبر مضمون المادة السابعة من الدستور، ويُعقلن العمل الحزبي بشكل أفضل، والدفاع عن مبدأ تمكين البرلمان من ممارسة صلاحياته التشريعية والرقابية والتقييمية والديبلوماسية بما يُحقق التوازن في علاقته بالسلطة التنفيذية. وبنفس المنطق، فإن دفاعنا عن مبدأ الحكومة ذات الصلاحيات الواسعة ينبغي أن يترتب عنه عدم قبول سحب أية صلاحيات حكومية لصالح مؤسسة دستورية أخرى.
ومما عمق من إشكاليات صلاحيات سير المؤسسات، الضعف الذي أبان عنه رؤساء الحكومات في تدبيرهم للشأن العام، وهي ظاهرة أدت إلى الرجوع لمنصب «الوزير الأول» في التحارب الدستورية السابقة.

ثانيا: سيادة القانون وإصلاح منظومة العدالة

يعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن تحقيق دولة الحق والقانون يُعتبر أحد ركائز المجتمع الديمقراطي، وبالتالي فإن سيادة القانون كفيلة بضمان ممارسة الحقوق والحريات الأساسية، والحد من جميع أشكال العنف، وإرجاع الثقة للمواطنات والمواطنين في تطبيق القانون في مواجهة الدولة نفسها. ويقتضي هذا المبدأ تطبيق المقتضيات الدستورية المتعلقة بسيادة القانون، وعدم رجعيته، وربط المسؤولية بالمحاسبة، ومحاربة الشطط في استغلال مواقع النفوذ، ومحاربة الفساد… ويعتبر حزبنا أنه ينبغي العمل بكل حزم على محاربة الفساد بكل مظاهره ومستوياته وآلياته وخاصة فصل سلطة المال والأعمال والنفوذ عن السياسة وفضاءاتها، ورفع إيقاع تفعيل السياسة الجنائية عبر تقوية الآليات القانونية في محاربة الفساد المالي الذي لا زلنا بخصوصه متشبثين بإخراج هيئة قضايا الدولة إلى حيز الوجود لوقاية مختلف مرافق الدولة من المخاطر القانونية والتوفر على آليات مركزية في مجال محاربة الفساد وهدر المال العام، وفق مقترح القانون المتكامل، الذي قدمناه بتاريخ 18 شتنبر 2011.
ويُعتبر مبدأ سيادة القانون أحد الركائز الأساسية التي يقوم عليها موضوع مواصلة الإصلاح الشمولي لمنظومة العدالة، على أن يتم ذلك وفق مقاربة تشاركية، باعتبار أن الأمر يهم ترسيخ قواعد السلطة القضائية المستقلة، والتي تتطلب بدورها ملائمة وإصلاح المنظومة بأكملها، سواء على مستوى التنظيم القضائي، والحق في المحاكمة العادلة، والمراجعة الشاملة للقوانين الموضوعية والمسطرية التي أصبحت مُتجاوزة، أو على مستوى المهن القانونية والقضائية.
ولذلك، لا زلنا في الاتحاد الاشتراكي نعتبر أن ورش إصلاح منظومة العدالة لا زال مفتوحا، وسنستمر في الدفاع بخصوصه عن بدائل تتجاوب وانتظارات المواطنات والمواطنين بخصوص عدالة مستقلة ونزيهة، وقوانين عادلة ومُنصفة، تعود إيجابا على التنمية الشمولية ببلادنا.
وإضافة للإصلاحات القضائية المؤسساتية، فإن الاتحاد الاشتراكي، يعتبر أن إصلاح منظومة العدالة ينبغي أن يمس الجانب المرفقي، المرتبط بتقديم الخدمات للمواطنات والمواطنين، والتي تشمل كل مراحل التقاضي. إن ضمان حق الولوج للقضاء، وحُسْن تدبير الزمن القضائي، وإصدار الأحكام في آجال معقولة، وإرسال وتسلم الوثائق المرتبطة بالملفات القضائية، وتبليغ وتنفيذ الحكام القضائية، كلها عناصر تتطلب إصلاحا يتماشى مع المستجدات الدستورية، ويتطل استمرار المقاربة التشاركية في وضع وتعديل النصوص التشريعية والتنظيمية الجاري بها العمل.
وبهذا الخصوص، تقوم مختلف الوظائف والمهن القانونية والقضائية بدور محوري، يتطلب فتح قنوات التشاور بين ممارسيها والمشرفين على تدبيرها.

ثالثا: الورش الحقوقي

يعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، أن المسألة الحقوقية تُعد من صلب المعارك السياسية التي خاضها من أجل وضع أسس الديمقراطية ودولة الحق والقانون في بلادنا. وقد أسس توجهاته الفكرية وبرامجه السياسية ومواقفه المبدئية وشعاراته العملية على القيم والمبادئ الكونية لحقوق الإنسان من حرية وكرامة إنسانية ومساواة وعدالة اجتماعية ومشاركة سياسية وغيرها. وقد ظل حزبنا حاملا لراية الإقرار بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المتعارف عليها كونيا وجعلها واقعا معاشا بالنسبة لكل فئات الشعب المغربي، بالدفاع المستميت عن الحق في الحياة والأمان الشخصي والحماية القانونية والعدالة الاجتماعية والمساواة والكرامة الإنسانية وعن حرية التعبير والتفكير والوجدان، وعن الحق في التربية والتعليم والصحة والشغل والسكن وغيرها من الحقوق الأساسية المتأصلة في الإنسان.
ولم يتوقف الحزب عند رفع الشعارات المبدئية، بل عمل على خلق الآليات التأطيرية لتمكين كل الفئات الشعبية من التعبير الفعال والمسؤول عن همومها والدفاع عن مطالبها العادلة والمشروعة وذلك بتأسيس العديد من المنظمات الحقوقية والمركزيات النقابية وجمعيات الدفاع عن الحقوق الإنسانية لبعض الفئات كالنساء والشباب والفئات المعوزة، والعديد من جمعيات المجتمع المدني في مختلف المجالات الاجتماعية والتنموية والثقافية. هذه التنظيمات المدنية التي لعبت على مدار عقود من الزمن دورا محوريا في تناسق وانسجام مع النضالات السياسية التي خاضها حزبنا. بل انخرط مناضلاته ومناضلوه ميدانيا، وبقوة، في كل المعارك التي شهدتها الساحة السياسية والاجتماعية والحقوقية، وأدى الحزب في سبيل ذلك ضريبة في شكل تضحيات بلغت حد استهداف حياة قادته ورموزه وشن حملات الاعتقالات التعسفية والمحاكم الصورية في حقهم، والزج بهم في غياب المعتقلات السرية والعلانية، وتعريضهم للتعذيب الوحشي أو محاولات الاغتيال، وشن حملات من الطرد التعسفي وفرض النفي الاضطراري في حق العديد من قادة الحزب ومناضلاته ومناضليه، وتشريد أسرهم وعائلاتهم، وهي الانتهاكات الجسيمة التي أقرت بها كل من الهيئة المستقلة للتحكيم وهيئة الإنصاف والمصالحة في تقاريرها.
وإذا كانت بلادنا اليوم تنعم بقدر هام من الحقوق والحريات الأساسية بعد عقود من الصراع المرير والنضال المتواصل والتي قدم خلالها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية التضحيات الجسام، فإنه كحزب وطني تقدمي مؤمن بقيم ومبادئ الحرية والمساواة والعدالة، لا يدعي بلوغ الكمال في ما تحقق من مكاسب رغم أهميتها، وهو ما يفرض عليه المزيد من النضال والتضحية من أجل توسيع هوامش الحريات والحقوق الأساسية الإنسانية.
وفي هذا الصدد لابد من التذكير بضرورة الإصغاء إلى نبض المجتمع المغربي من خلال الأخذ بعين الاعتبار لمعاناة الفئات الاجتماعية المتضررة من جراء عدم تمتعها بكافة حقوقها الإنسانية المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك بتمكين هذه الفئات من الولوج إلى هذه الحقوق المتعارف عليها كونيا وجعلها واقعا ملموسا ومعاشا، وبضرورة حث الدولة والحكومة على احترام التزاماتهما الدولية في مجال حقوق الإنسان من خلال تفعيل مقتضيات الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي أضحى المغرب طرفا أساسيا فيها، والعمل على ملائمة التشريعات الوطنية لروح ومبادئ حقوق الانسان كما هي متعارف عليها كونيا. وبالموازاة مع ذلك، الدفاع عن حق المغاربة المقيمين بالخارج، في المشاركة السياسية عبر تمكينهم من ممارسة حق التصويت والترشيح انطلاقا من بلدان الإقامة، والانفتاح على جميع الكفاءات المغربية المقيمة بالخارج والاستفادة من مواقعها، وإشراكها في كل هيئات الحكامة بتمثيلية وازنة، وتبني فكرة إحداث مجلس أعلى للهجرة.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المؤمن بفعالية ونجاعة النضال الجماهيري للمجتمع المدني، سيعمل على توسيع مجالات التواصل والدعم لكل المنظمات الحقوقية الوطنية الجادة، وكل التنظيمات التي تعمل في مختلف المجالات على الحماية والنهوض بأوضاع حقوق الإنسان المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وذلك من خلال تبني مطالبها والدفاع عن تفعيل توصياتها، بل والنزول إلى المعارك الميدانية من أجل المساهمة الفعالة في تأطير وقيادة معاركها، وفي نفس الوقت حمايتها من بعض الأطراف التي تستغل شعارات حقوق الإنسان لتمرير خطاباتها المتطرفة العدمية والظلامية والفوضوية. كما أن حزبنا سيستمر في الدفاع عن حقوق المحتجزين المغاربة في مخيمات تنذوف، وجعل ذلك من أولويات نضالنا السياسي والحقوقي، بفضح ما يتعرض له الضحايا من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في مخيمات الذل والعار من قِبل النظام الجزائري وعصابة البوليزاريو، وذلك بالعمل على خلق جبهة عالمية للمطالبة بتحرير هؤلاء المحتجزين والمعتقلين وتمتيعهم بحق العودة إلى وطنهم الأم وتعويضهم عن الأضرار الجسيمة التي لحقتهم.
وأخبرا، فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لن يتوقف عن الدفاع عن توسيع هامش المصالحة وطي صفحات النزاعات الداخلية وإلى تعميق الوحدة الوطنية العمل من خلال نهج أسلوب العفو العام والشامل على كافة المتعقلين على خلفية الأحداث الاجتماعية، وكذلك العمل على التنفيذ الكامل لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة، وترشيد الحكامة الأمنية ومتابعة البحث والتقصي لكشف الحقيقة الكاملة لحالات الاختفاء القسري التي لم يتم التوصل بشأنها إلى أية نتيجة واضحة.

رابعا: ورش الجهوية المتقدمة

لقد راهن الاتحاد الاشتراكي دائما على أن إعطاء دينامية نوعية جديدة للفعل التنموي الشامل، يقتضي اعتماد سياسة فعالة لإدارة التراب الوطني بالشكل الملائم، الذي يسمح بالمساهمة الإيجابية للساكنة في تدبير شؤونها. ومن هذا المنطلق، اعتبر الحزب، أن المستوى الجهوي، مجال واعد بامتياز، استنادا على الدراسات والأبحاث التي تمت في إطار الحوار الوطني لإعداد التراب، وعلى المنظور الخاص للحزب، المرتكز على اعتبار الجهوية، عنصر أساسي لتصريف المشروع الاقتصادي التنموي.
وإذا كان الدستور، قد وضع أسسا مهمة لإقامة نظام للجهوية المتقدمة، فإن تطبيقه عبر القوانين التنظيمية ذات الصلة بالجماعات الترابية، لا زال لم يُحقق المرجو منه، لأنه تم اختزال الجهات في حدود مستوى معين من هذه الجماعات الترابية، رغم أنها تحتل مكان الصدارة بين هذه الجماعات.
إن الجهة ليست مجرد مؤسسات مُنتخبة بالاقتراع العام المباشر، ذات صلاحيات مُحددة حصريا بالنصوص التشريعية والتنظيمية، بل هي أبعد من ذلك، إذ ينبغي تطويرها من خلال جعل اختصاصات الجهات قاعدة عامة، وتدخل الدولة هو استثناء فقط. فالاتحاد الاشتراكي، يعتبر أن الجهة ليست مجرد مجموعة مشاريع منفصلة عن بعضها البعض، بل مشروع وطني استراتيجي يندرج ضمن الرؤية الوطنية للجهة التي عليها أن تقوم على أساس إبراز عنصر التضامن والاستغلال الأمثل لكل ثروات الجهات لما فيه مصلحة الجميع.
ويتطلب هذا الأمر، إعادة النظر في علاقة الدولة وممثليها بالمجالس الجهوية بشكل لا يجعل من الطرف الأول وصيا ومراقبا ومسؤولا عن تطبيق القانون، بل شريكا ومواكبا ومساعدا للثاني في إنجاز مهامه، مع ما يتطلبه الأمر مرحليا من تدخلات لصندوق التضامن بين الجهات لتمكين الجهات الناقصة التجهيز والبنيات التحتية، من وضع برامجها استنادا على هذا البرنامج الوطني. وبالموازاة مع ذلك، يعتبر الحزب أن تسريع مسلسل اللاتمركز ضروري لفتح علاقة مباشرة بين المصالح الخارجية لمختلف الوزارات والمجالس الجهوية، وجعل هذه المصالح في خدمة التنمية الجهوية.
ثالثا: تعديل في الصياغة له علاقة بالمضمون
تم تصحيح الحكم المطلق على التعليم الخصوصي بإدخال صياغة تروم النسبية وعدم التعميم.

خامسا: ورش المنظومة الانتخابية

ينطلق الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من أن الانتخابات الحرة والنزيهة والمتكافئة، هي أساس التحول الديمقراطي، وبالتالي فإنه ينبغي تقويم الاختلالات التي تشوب العملية الانتخابية بانتظام، قصد الوصول لمنظومة قانونية وتنظيمية مُتكاملة ومُنسجمة تُحقق العدلة الانتخابية.
ومن خلال مواقفنا الثابتة، التي اتسمت بالعمل على تحقيق شروط التنافس الانتخابي المتكافئ، تمكنا خلال التحضير للمسلسل الانتخابي لسنة 2021 من الدفاع بفعالية عن العديد من المقترحات التي طالما كنا نُنادي بها، وأدى تنظيمنا الجيد ومواقفنا السياسية الواضحة، إلى استعادتنا لمركزنا الانتخابي، وسنبقى متشبثين بمنظورنا للمنظومة الانتخابية العادلة والمنصفة. إن حزبنا لا يزال يعتبر أننا، إذا كنا قد تمكنا سابقا من إدخال العديد من التقنيات اللازمة لرفع الضغط عن الكتلة الناخبة، من خلال إلغاء نظام الألوان، واعتماد نظام الرموز، والورقة الفريدة للتصويت، والاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي، وغير ذلك، فإن المرحلة الحالية تتوفر فيها شروط الإصلاح الجذري للمنظومة الانتخابية من جديد، بعد المعركة التي خضنا لتوفير الشروط الأساسية للتنافس السياسي المتكافئ والشريف بإبعاد كل استغلال للدين أو استعمال للمال في العملية الانتخابية.
إن كل تقليص لمساحة استعمال الدين أو المال في المسلسل الانتخابي، هو خطوة نحو التأسيس للتنافس المتكافئ، لكن أيضا وأساسا يبقي النقاش مفتوحا حول كل من نمط الاقتراع في مختلف الاستحقاقات، وتقسيم الدوائر الانتخابية، وعملية الإشراف على الاستحقاقات، ومعايير تمويل الحملات الانتخابية.
الورش الاجتماعي (7): (الحماية الاجتماعية الموسعة، التربية الوطنية، الصحة العمومية، الشغل، السكن اللائق، البنيات التحتية، القطب الاجتماعي)

رغم انتشار استعمال مفهوم الحماية الاجتماعية الذي يُدافع عنه الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وترويجه من قبل قوى ليس لها علاقة بالاشتراكية الديمقراطية، فإننا بقدر ما نعتبر ذلك مصدر فخر واعتزاز لاعتماد أحد الركائز التي يقوم عليها برنامجنا الحزبي وتصورنا للخيط الرابط بين مختلف السياسيات العمومية، بقدر ما نعتبر أن تناول هذا الموضوع لا يزال لم يُحقق المبتغى الذي نعتمده.
إن بلوغ مجتمع الكرامة والمساواة والتنمية الشاملة، يتطلب وفق تصورنا الحزبي، ضمان التماسك المجتمعي وترسيخ المبادئ الكبرى للاشتراكية الديمقراطية، وذلك باتخاذ مجموعة تدابير ينبغي أن تتحمل الدولة مسؤولية إنجازها قصد تقليص الفوارق الاجتماعية والوقوف بجانب الفئات المعوزة والفقيرة والمهمشة، بعيدا عن أي دعم خيري أو إحساني أو موسمي. إن سياسة الدمج الاجتماعي لا يُمكن بلوغها من قبل تدابير للمساعدة الاجتماعية الترقيعية، بل باعتماد سياسة مُندمجة تهم القطاعات الاجتماعية الأساسية.
إن منظور الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، لا يرتكز على سياسات قطاعية للحماية الاجتماعية كما يتم الترويج له من قبل تنظيمات حزبية عديدة، أو حتى تنفيذ وعود انتخابية قصد كسب تعاطف الناخبات والناخبين، بل يهدف لإقامة صرح الدولة الاجتماعية. وشتان بين المفهومين. ولذلك، فنحن نروم تأسيس قطب اجتماعي يرتقي ببلادنا إلى مرتبة أعلى في مجال الإدماج الاجتماعي. ويتعلق الأمر بسياسة مُندمجة تتولاها الدولة في خمس مجالات أساسية تهم كلا من التربية والتكوين، الصحة، التشغيل، السكن اللائق، وتوفير البنيات والخدمات المرفقية الرئيسية.
إن هذا القطب المندمج، يتماشى أولا ما نصت عليه كل الدساتير منذ سنة 1962، بخصوص الطابع الاجتماعي للملكية بالمغرب، والذي يمنحها مشروعية العمل بهذا المجال، كما أنه ينسجم مع مختلف التدابير الواردة ببرامجنا الانتخابية، حيث يلتقيان في استهداف تحقيق الاستقرار والإنصاف الاجتماعي والقضاء على الهشاشة والفقر والتهميش، واعتماد مفهوم «الحماية الاجتماعية الموسعة» التي لن تُعطي النتائج المنتظرة منها إلا إذا تم تنفيذها وسط سياسات عمومية تروم تحقيق المساواة والعدالة والإنصاف والتضامن وحفظ كرامة المواطنات والمواطنين. إن هذه السياسة لوحدها، والتي ينبغي أن تُراعي تطلعات مختلف الفئات الاجتماعية، هي القادرة على وضع أسس الدولة الاجتماعية، التي ليست شكلا من أشكال تدخل الدولة، وإنما هي نفسها الدولة الداعمة (وليس فقط الدولة الراعية).
لقد وسعت جائحة كورونا العديد من مجالات التدخل «الإلزامي» للدولة، وأبانت عن الأهمية المركزية للمرافق العمومية. وهكذا لم يجد المواطنات والمواطنون أمامهم في أقات الشدة إلا الدولة.
فمن ناحية أولى، تجلت أهمية المدرسة العمومية، وقدرة الموارد البشرية التعليمية على التأقلم بالسرعة اللازمة، ومن ناحية ثانية، تبين أن المستشفى العمومي وحده القادر على مواجهة الآفات، وأن الأطر الطبية وشبه الطبية العمومية قادرة بدورها على رفع تحذي وقف تفشي الجائحة.
لقد غير الكثير من المغربيات وللمغاربة موقفهم من القطاعات العمومية، التي مكنتهم من حقهم في الحياة، وحق أبناءهم في التمدرس، وهو ما يجعلنا نُؤكد هنا أن الاتحاد الاشتراطي للقوات الشعبية كان على صواب عندما راهن على التعليم والصحة العمومييْن لتحقيق تطلعات الشعب المغربي، بما يتطلبه ذلك من إصلاحات ينبغي اعتمادها.
أما بخصوص مجال الشغل، فأننا مرة أخرى، وقفنا على هشاشة جل المقاولات التي لم تستطع مواكبة تداعيات الأزمة إلا بالإغلاق دون أية تدابير إيجابية لصالح المستخدمين، ولولا مساهمة المؤسسات العمومية الاجتماعية لما تمكنت الفئات العاملة في القطاع الخاص من تدبير المراحل الصعبة التي مرت منها البلاد.
لذلك، فإن الربط ما بين التربية والتكوين والصحة والشغل وما يتطلبه من خدمات اجتماعية يُشكل أساس أية سياسة عمومية تروم المساهمة فعليا في تكريس أسس الحماية الاجتماعية، مدعمة بالحق في السكن اللائق والاستفادة من الخدمات العمومية، في بنيات تحتية ملائمة.
إن صدور نص قانوني لتأطير الحماية الاجتماعية، بقي في حدود مجال الاستفادة من التأمين الإجباري عن المرض والذي يُغطي تكاليف العلاج والأدوية والاستشفاء، وتعميم التعويضات العائلية، وتوسيع قاعدة الانخراط في أنظمة التقاعد، وتعميم التعويض عن فقدان الشغل لفائدة الأشخاص الذين يتوفرون على شغل قار. وبقدر ما نعتبر أن الأمر يتعلق بمكسب اجتماعي جاء بناء على تعليمات ملكية، بقدر ما نعتبر أن الحكومة، في إطار سياساتها العمومية، ينبغي أن تعمل على تنسيق كل تدخلاتها الاجتماعية المتفرقة بين مختلف الإدارات العمومية والمؤسسات والمقاولات العمومية والجماعات الترابية، قصد خلق قطب اجتماعي قوي بحكامة رشيدة وفعالة، خاصة وأن الأمر يتعلق بقطاعات ومجالات ينبغي أن يكون تدبيرها مُنسقا بشكل أفضل، ولا أدل على لك من أنه ليس هناك أي رابط واضح بين برامج كل من المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، ونظام المساعدة الطبية، وبرنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، وبرامج دعم تمدرس الأطفال (مثل برنامج تيسير)، وبرنامج دعم الأرامل…

الورش الاقتصادي

إن ورش النموذج التنموي الجديد الذي اعتمدته الدولة، أبان عن فشلها في إقامة مشروعية اقتصادية، قادرة على تحقيق التراكم وإعادة توزيع الثروات داخل المجتمع المغربي، كما كرس من ناحية أولى انعدام الثقة في المكونات السياسية، والخوف من ضياع السيطرة من ناحية أخرى. إن هذا الفشل راجع من الناحية الاقتصادية إلى التركيز على السوق الداخلية والانغلاق على الذات (باستثناء بعض القطاعات) وإهمام الانفتاح على السوق الخارجية وجلب الاستثمار الذي هو عنصر مهم جدا في التنمية.
إن محورية الدولة تكمن في أنها هي الكيان الوحيد الذي يمكن أن يقوم بالانفتاح على السوق الخارجية وجلب الاستثمار الخارجي، وبالتالي هي الكيان الوحيد الذي يستطيع إخراج البلاد من مستنقع ضعف النمو الاقتصادي. وهذا ما يتطلب التموقع الجيو-اقتصادي بالتحالف مع الشبكات الانتاجية العالمية ومع التقنوقراط الذي يكون قادرا على إدماج المغرب في الاقتصاد العالمي. إن التراكم الاقتصادي أساسي، وبدونه لا يمكن تقوية أجهزة الدولة ذات السلطة والتي تدبر أجهزة الضبط المادي والايديولوجي. وبطبيعة الحال، فإن الدولة بهذا المفهوم ليست الدولة الشمولية التي لا يقبلها الحزب نظرا لتعارضها مع مبادئه وتصوراته.
إن شروط ومقومات نجاح الدولة الاقتصادي رهين بجلب الاستثمار، وتقوية اليد العاملة، وتكوين الموارد البشرية، وتقوية القدرة الشرائية، وتقوية الصناعية الداخلية، وتطوير المعرفة العلمية وتشجيع البحث العلمي والتكنولوجية، ومحاربة الأمية، وتطوير الدراسة الجامعية، وتقوية التعامل الرقمي، وهي كلها عناصر يجب أن يكون لحزبنا إبداعات مُتميزة.
الورش المجتمعي (7): (الطفولة، الشباب، الأشخاص في وضعية إعاقة، الفئات في أوضاع صعبة، الترفيه والرياضة، المجتمع المدني، البيئة)

إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، الذي ينشد تحقيق المجتمع الحداثي، الديموقراطي، المتنوع، المتضامن بين جميع مكوناته السياسية والمدنية، يقف خلال المؤتمر الوطني الحادي عشر عند الحالة التي يوجد عليها هذا المجتمع من حيث التنوع والتضامن والتشارك، ووضعية المجتمع المدني داخله.

وبهذا الخصوص، فإن المجتمع المدني الذي كان قويا ونشيطا إلى جانب المنظمات النقابية المختلفة، شكل قوة مضادة، لكنه فشل في فرض ذاته على مستوى المشاركة على إدماج الأفراد والجماعات في بناء هذا المجتمع المنشود، وهو ما يدفعنا للحديث عن الحاجة لنموذج مدني جديد. لقد خلقت الدولة بدائل عن المجتمع المدني، من قبيل المجلس الوطني لحقوق الانسان، والمجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، … ولذلك لا بد من العمل على إحداث توازن على مستوى المجتمع المدني والسلط المضادة الحيوية.
إن المشروع المجتمعي الذي يتوخى حزبنا ترسيخه لن تتحقق أهدافه الكبرى إلا بتحقيق مجتمع ديمقراطي عادل يتسع لجميع الكفاءات والطاقات القادرة على مواجهة التحديات المتعلقة بالاستقرار والتنمية والتقدم بما يضمن المساواة والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية. ولذلك، يعتبر الحزب أن المجتمع المتماسك يقتضي إشراك مختلف الفئات الاجتماعية، وخاصة النساء والشباب والأشخاص في وضعية إعاقة والأشخاص المسنون، في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ولن يتأتى ذلك إلا بخلق المناخ الملائم للإدماج ومحاربة الإقصاء والتهميش وتفعيل الآليات الديمقراطية وضمان كافة الحقوق السياسية والاجتماعية والبيئية الأساسية.
فبالإضافة إلى قضية النهوض بأوضاع النساء، يرتكز المشروع المجتمعي الذي يتبناه الحزب على ضرورة العناية بأوضاع الطفولة من خلال محاربة مظاهر الهشاشة باعتماد سياسات عمومية متوازنة قائمة على العدالة الاجتماعية والترابية، وجعل الشباب في قلب الرهانات التي يتعين ربحها نظرا لما يتوفر عليه من طاقة حيوية مؤثرة في مختلف المجالات، وإدماج الأشخاص في وضعية إعاقة وأخذ متطلباتهم بعين الاعتبار عند وضع السياسات العمومية من خلال الانتقال من المنظور التكافلي المحض إلى المعالجة التشاركية ذات البعد الحقوقي التي تمكن الفئات المعنية من الاندماج بشكل كلي في المجتمع وفي الحياة، وسن سياسة عمومية تضمن للأشخاص المسنين حقوقهم عبر آليات رعايتهم وحمايتهم.
كما أن المجالات الترفيهية والرياضية بحُكم أنها تمثل أداة للتنشئة والتأطير الاجتماعيين لإشاعة قيم التسامح والتعايش والتضامن، فإن المشروع المجتمعي ينبغي أن يستهدف اعتماد سياسات عمومية متكاملة تجعل من الممارسة الرياضية رافعة أساسية لتعزيز الاستثمارات الاقتصادية وتقوية التنمية البشرية والتعبئة الجماعية للمختلف الطاقات المجتمعية.
وأخيرا، على أن تنفيذ السياسات العمومية ذات الصلة بالمحاور المتعلقة بالمشروع المجتمعي كما يراه حزب الاتحاد الاشتراكي، تجعل من المجتمع المدني شريكا أساسيا في الإعداد، كما في التنفيذ، إذ يعد فاعلا حاسما في مبادرات تأطير المواطنات والمواطنين والمجتمع من أجل ترسيخ قيم المواطنة والتضامن، وفي تطوير الحياة السياسية والمجتمعية والفكرية. وبدون الالتزام بمبادئ الديمقراطية التشاركية وضمان التدخل الناجح لمكونات المجتمع المدني، لن يتحقق المشروع المجتمعي المنشود الذي يقتضي من الفاعل المدني أن يكون فاعلا مستقلا، مبادرا وشريكا استراتيجيا في تدبير الشأن العام بعيدا عن أي منظور مجحف لتكريس وصاية الدولة أو أي طرف داخل المجتمع. ولذلك، يشدد الحزب على ضرورة تقوية الانفتاح على المجتمع المدني لتوفير شروط الشراكة الحقيقية.
وأخيرا، فإنه من بين الانشغالات الحقيقية للمجتمع الراهن حماية البيئة التي تعد مطلبا ملحا لما يتعرض له النظام الطبيعي من تهديدات خطيرة بفعل التغيرات المناخية واختلال التوازنات الطبيعية وارتفاع مظاهر التلوث والأضرار البيئية. والاتحاد الاشتراكي يعتبر أنه على بلادنا أن تنخرط بشكل أوسع في المجهودات الدولية الرامية إلى حماية الموارد الطبيعية ورعاية الأنظمة البيئية بما يضمن التوازن بين تداعيات التطورات الاقتصادية والاجتماعية المتسارعة من جهة، ومتطلبات المنظومات البيئية من جهة أخرى. ولذلك، لا بد من اللجوء إلى إصلاحات حقيقية من أجل التأهيل البيئي وتقوية آليات الحماية البيئية والرفع من مستوى التدبير المستدام للموارد الطبيعية.

القضايا الكبرى (6): النساء، الثقافة، التواصل، المسألة الدينية، المسألة اللغوية

تحتل قضية النساء المكانة المحورية في المشروع المجتمعي الذي يروم الاتحاد الاشتراكي تحقيقه، فقضية النساء ذات موقع فاعل في معركة البناء الديمقراطي وتنمية المجتمع ورقيه، ويُمكنها -إذا ما توفرت لها الشروط الملائمة لذلك- أن تساهم بشكل مؤثر في الحياة السياسية والاقتصادية وفي التنشئة الاجتماعية والثقافية. ولذلك، يدعو الاتحاد الاشتراكي إلى الإشراك الفعلي للنساء في الشأن المجتمعي باعتماد رؤية منفتحة تناهض مختلف تجليات الفكر التقليدي المحافظ والرجعي المناقض لمبدأ المناصفة ولقيم المساواة وتكافؤ الفرص.
وإذا كانت بلادنا قد تمكنت من جعل قضايا النهوض بأوضاع النساء جزء لا يتجزأ من الإصلاحات المجتمعية الشاملة حيث تحققت جملة من المكتسبات لفائدتهن، تم تتويجها باعتماد الوثيقة الدستورية ذات المقتضيات الأساسية، وخاصة الفصل 19 الذي ينص على ضرورة تحقيق المساواة بين الرجال والنساء في جميع المجالات. ورغم ذلك، ما زالت التحديات مطروحة مما يستوجب تعبئة جماعية، على الأقل لوقف التراجعات الخطيرة المتمثلة في عدم تفعيل الحكومة للمقتضيات الدستورية ومباشر الإصلاحات الجوهرية الضرورية، ومعالجة الاختلالات الأساسية المرتبطة باستفحال ظاهرة الأمية في أوساط النساء، وضعف نسبة نشاطهن الاقتصادي، والقضاء على ظاهرة تشغيلهن في قطاعات غير مهيكلة خارج أية حماية قانونية واجتماعية وبأجور مُنخفضة.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يضع ضمن مجالات عمله الأساسية، إنصاف النساء وتمكينهن من ممارسة حقوقهن باعتبارهن مواطنات كاملات المواطنة، وفاعلات وشريكات أساسيات في صناعة مغرب العدالة والمساواة والكرامة. إن بناء عدالة سياسية واقتصادية واجتماعية لصالح النساء من خلال التفعيل الإيجابي للمقتضيات الدستورية وحظر كافة أشكال التمييز ودعم المشاركة النسائية في مختلف المجالات المجتمعية وفي مراكز القرار السياسي والاقتصادي، سيكون كفيلا بوضع المرأة في صلب التنمية الشمولية لبلادنا.
وإلى جانب ذلك، لا يُمكن للمشروعين الديمقراطي والمجتمعي أن يتحققا على الوجه الأكمل بما يعزز التطور الفكري والتنمية البشرية إذا لم يستندا إلى منظومة ثقافية قادرة على تحصين الذات في انفتاح على الآخر وانسجام مع الثقافات والحضارات المغايرة. ولذلك، يعتبر الاتحاد الاشتراكي أن الرهان الأساس يكمن في إرساء قطب ثقافي جديد قادر على ترجمة مبادئ الديمقراطية والحداثة والحرية عبر تفعيل المقتضيات الدستورية واحترام التعددية والتنوع وترسيخ حس المواطنة والانتماء الكوني. فالمنظومة الثقافية، من زاوية الاشتراكية الديمقراطية، شرط ضروري للارتقاء بالإنسان عبر تفاعل الهوية والذات الوطنية من جهة، والحضارات الإنسانية المختلفة من جهة ثانية، وعبر إشاعة قيم الانفتاح والتعايش والإبداع الرافضة للتفكير المنغلق والعدمي. وعلى هذا الأساس، يعد العامل الثقافي حاسما في خلق دينامية مجتمعية منتصرة للفكر المبدع والنقدي الذي يسهم فعليا في ترسيخ التنشئة الاجتماعية المنفتحة ومواصلة إصلاح الشأن المعرفي وإشاعة المبادئ الحقوقية ذات البعد الكوني وتعميم قيم الحوار العقلاني، بما يجعل من الثقافة ليس فقط شأنا ثقافيا صرفا، بل أيضا تدابير سياسية واقتصادية واجتماعية وإجراء تربوي عميق وشامل.
وعلى صعيد آخر، وبحكم الموقع الحيوي للثقافة في تقوية النسيج المجتمعي وإحداث التحولات السياسية والاجتماعية الرصينة، يؤكد حزبنا، بوصفه فاعلا تاريخيا في المسألة الثقافية الوطنية، على البعد الديمقراطي والحداثي للمسألة الثقافية من خلال تكريس مبادئ التعددية والتنوع والمواطنة. ولتحقيق هذا البعد، يتعين النظر إلى الثقافة المغربية من منظور متعدد ومندمج يستطيع بلورة سياسات عمومية واعية تستوعب مختلف التعبيرات والمكونات والتجليات المتصلة بالنسيج الثقافي الوطني. كما يتعين مأسسة الفعل الثقافي وتعبئة الطاقات المختلفة حول التوجهات الثقافية الأساسية والإسهام الجماعي لتحصين الهوية المغربية والتحفيز على الإبداع وتقوية التنوع الثقافي في مختلف المجالات والأشكال التعبيرية وتكريس العدالة المجالية في الممارسة الثقافية. ويجب أيضا احتضان المستجدات الأساسية من خلال تقوية الإعلام الثقافي واستثمار التقنيات والوسائط الجديدة للتواصل من أجل تعميم الثقافة المغربية ودمقرطة الولوج إلى الخدمات الثقافية والمساهمة في التنمية البشرية والتطور الرقمي.
وعلاوة على ذلك، تستند المنظومة الثقافية إلى وظيفتين حاسمتين في نظر حزبنا: الوظيفة الإعلامية والوظيفة اللغوية. فالوظيفة الإعلامية تعد حاسمة في المجتمعات المعاصرة من حيث الإسهام الفاعل للإعلام في البناء السياسي والثقافي والتعبئة المجتمعية وتوجيه الرأي العام حول مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية وغيرها. والإعلام، إذا ما توفرت شروط الحرية والمهنية، يؤدي دورا مهما في تداول المعلومات والأفكار والمعارف وتقديم الخدمة الإخبارية للمواطنين في مختلف مناحي الحياة، ويشكل سلطة فعلية للتأثير في صناعة القرار السياسي وترسيخ القيم المجتمعية وخلق التحولات المجتمعية الكبرى. ولذلك، يرى حزبنا أن الإعلام اليوم يوجد في قلب التحديات التي يراهن عليها الصف الديمقراطي الحداثي لترسيخ حرية الرأي والتعبير والتعددية السياسية والثقافية. فلا منظومة ثقافية ديمقراطية بدون إعلام حر ومتطور يكرس فعليا الحق في الولوج إلى المعلومة وضمان الحق في الخبر والتعددية والعدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص.
فبخصوص قطاع الاتصال السمعي البصري العمومي ببلادنا، فإننا نعتبر أنه يجب الحرص على تحقيق أهداف الخدمة الإعلامية العمومية المتعلقة بتشجيع التربية والتعليم والتحفيز على الإبداع والتميز الثقافي والفني والتكنولوجي والرياضي، وذلك في أفق طرح مشروع استراتيجية للتنمية السمعية البصرية الوطنية، تروم تجسيد رؤية وطنية جديدة للنهوض الأمثل بالارتقاء بالإنتاج الفني الثقافي الوطني، على أساس مبادئ حرية الإبداع والابتكار وتحسين الجودة، مع الاعتماد بالأولوية على الكفاءات البشرية والمؤهلات الوطنية ومده بمقومات الجودة والمنافسة للنهوض بمهام المرفق العام لمواجهة هيمنة الفضائيات، مع جذب المزيد من الاهتمام إلى الإنتاج الوطني التي يوفره.
كما أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يتوخى أن يتمكن الإعلام العمومي من ترسيخ دور القنوات الأمازيغية في تدبير التنوع اللغوي والثقافي الذي يزخر به المغرب، وذلك بعد إقرار الطابع الرسمي للغة الأمازيغية في دستور 2011، وأن يتمكن الإعلام العمومي، من توطيد دور القنوات القرآنية في الاضطلاع بمهمتهما المتعلقة بصيانة الهوية الدينية للأمة المغربية وترسيخ قيم الاعتدال والتسامح، في سياق دولي يتميز بتعاظم نزعات التطرف والجهل والانغلاق التي تستغل تطور وسائل الإعلام والتواصل وانفتاح شبكات التواصل الاجتماعي لنشر مضامينها قصد استقطاب الفئات الاجتماعية ذات المستوى المعرفي المحدود.
وأخيرا، وبالنظر لما راكمته إذاعتي الداخلة والعيون وقناة العيون الجهوية في خدمة الثقافة المحلية، ذات الرافد الحساني، وأدوارها التاريخية في الدفاع عن قضية وحدة المغرب الترابية، فإنه لا بد من استثمار هذه الإنجازات وتقويتها لتعبئة كل المعنيين والمتدخلين في المعركة المصيرية التي تستهدف أمن ووحدة المغرب، وذلك للاستمرار في الكشف عن زيف وأكاذيب خصوم الوحدة الوطنية والترابية لبلادنا.

أما بخصوص الإعلام الجديد، فأنه، وإن كانت بلادنا قد عرفت بلادنا خلال النصف الثاني من القرن العشرين عدة انتقالات كبرى، تمثلت في كل من الانتقال السياسي من دولة مستعمَرة إلى دولة مستقلة، والانتقال الديموغرافي الكبير، والانتقال الثقافي والسياسي الذي دشنه التناوب التوافقي. فإن الانتقال الأكبر والأهم الذي شهده المغرب على الإطلاق، يبقى هو الانتقال الرقمي، بحيث يفوق هذا الانتقال كل الانتقالات الأخرى من حيث القوة والتأثير. لقد وضعت تقنيات التواصل الحديثة أجهزة الاتصالات المتطورة بين يدي المواطن العادي، في نوع من «دمقرطة» هذه التقنيات التي ظلت إلى زمن قريب حكرا على أوساط معينة.
وقد ترتب عن هذا الانتقال الرقمي، طهور الإعلام ا لجديد، الذي يُشكل ممارسة بشرية في وضع انتقال سريع ومكثف، ومدعوم بابتكارات تكنولوجية غاية في الدقة، ولذا، فإن حزبنا ينبغي أن يضع من بين أهم وسائل عمله استغلال وسائل الاتصال الحديثة العالية الأداء، باعتبار أنها أصبحت تمثل مصدر القوة الأساسي للدول والمجتمعات.
إن كون هذه الفضاءات المفتوحة التي يُتيحها الإعلام الجديد، تُوَلد لدى الجمهور المتلقي إحساسا قويا بأنه أمام فضاء يستطيع أن يمارس فيه حريته كما يشاء، وأنها تُؤثر بشكل كبير على سلوكاته وتمثلاته لنفسه وللغير، فإن تواجد الحزب في هذا الفضاء ينبغي أن يتم وفق إستراتيجية ناجعة، تأخذ بعين الاعتبار أن المواطن المغربي يركب مطية الإعلام الجديد بكل زخمه، ويسعى للاستفادة من إمكانيات الانفتاح الهائلة لتجويد حياته، لدرجة أنه هو الذي أصبح يبحث عن هذا الإعلام لاستغلاله في قضاء مآربه النفسية والاقتصادية والاجتماعية والتواصلية.
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وبالمجهودات التي يقوم بها في هذا المجال، يلزمه الانتقال لممارسات أفضل حتى يكون في مستوى التطلعات الرقمية للمواطنات والمواطنين وذلك بالمساهمة في صنع المحتويات التي تجعل المواطنات والمواطنين يرتبطون بشكل أفضل بالحزب. إذ لا يُمكن ألا يُساهم في إعادة تشكيل عقليات وسلوكات ورغبات وطموحات وتطلعات الأفراد والجماعات. فالإعلام الجديد، قد حشر مؤسسات التنشئة الاجتماعية والسياسية التقليدية، ومن ضمنها الأحزاب السياسية، في الزاوية، واستحوذ على وظائفها وأدوارها في أكبر تحد واجهته. ولذا، فإن منصات التواصل الاجتماعي، وهي الرافد والمكون الأساسي للإعلام الجديد، أصبحت تلعب دور هذه الأحزاب في التأطير والتعبئة، وهو تحول يجرنا تدريجيا إلى «ديموقراطية الرأي كبديل عن ديموقراطية التمثيل»، والذي ينبغي ألا يتخلى الاتحاد الاشتراكي عنه.
أما الوظيفة اللغوية، فتمكن من إثراء التنوع الثقافي الذي يطبع الهوية الوطنية من حيث الاعتماد على نسيج لغوي مهم يجسد التعبير الحقيقي عن مختلف الأبعاد الحضارية والتاريخية والفكرية والبيئية للإنسان المغربي ويسهم في التنمية الثقافية العامة. غير أن الفضاء اللغوي المغربي، الذي يزخر بتعدد لغوي أساسي يتمثل في ما هو رسمي (العربية والأمازيغية) وما هو مجتمعي (الدوارج واللغات الأجنبية الوظيفية) لم يأخذ نصيبه من التعامل العقلاني والمعالجة الشاملة ضمن سياسة لغوية عمومية واضحة المعالم. ولذلك، يقر الحزب بضرورة تدبير مختلف الأشكال اللغوية استنادا إلى المعطيات التقنية والوظيفية والمجالية، بما يعزز الوضعية الثقافية والاعتبارية للغتين، العربية والأمازيغية، وفي نفس الوقت ترسيخ مختلف الأبعاد المؤسساتية والعلمية والاقتصادية والمجالية في التدبير اللغوي تدبيرا معقلنا وعادلا ومنصفا.

في السياق الإقليمي والدولي

السياق الإقليمي: مُستجدات القضية الوطنية، الوضع على مستوى القارة الإفريقية، الاتحاد المغاربي، العالم العربي وقضايا الشرق الأوسط.
ينعقد المؤتمر الحادي عشر للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، في سياق إقليمي متميز بالتأثير الواضح لجائحة كورونا على مختلف العلاقات على غرار كل العلاقات الدولية، مع مستجدات إيجابية على صعيد الانتصارات المتتالية التي حققتها بلادنا على مستوى قضيتنا الأولى.
لقد حققت بلادنا سلسلة من الانتصارات، بفضل الإشراف الملكي المباشر على ما يرتبط بقضية وحدتنا الوطنية والترابية. فقرارات مجلس الأمن الدولي، وتقارير الأمين العام للأمم المتحدة، لا زالت تسير في نفس الخط الرامي إلى إيجاد حل سياسي، وبالتالي مُستبعدة أي حل آخر لأنه يدفع قضية الصحراء إلى الباب المسدود. وما كان لهذه المكتسبات أن تترسخ إلا بالعمل المستمر على جميع الأصعدة قصد عدم ترك أي فراغ لخصوم وحدتنا الترابية قد يستغلونه للإضرار بمصالحنا العليا.
وبهذا الخصوص، فإن ما تم إنجازه ميدانيا يُشكل دعامة صلبة لتوطيد الوحدة الوطنية والترابية لبلادنا، سواء تعلق الأمر بإنجاز وتنفيذ النموذج التنموي الخاص بأقاليمنا الصحراوية، أو بالتزايد المطرد لفتح القنصليات بها، أو بتحرير معبر الكركرات، أو بالمشاركة المرتفعة للناخبات والناخبين في مسلسل استحقاقات 2021، إضافة للاعتراف الرسمي للولايات المتحدة الأمريكية بمغربية الصحراء، والذي شكل تحولا نوعيا جديدا في صيرورة الأحداث.
إن هذه السلسلة من الانتصارات وغيرها، شكلت سدا منيعا أمام مروجي الأطروحة الانفصالية الذين وجدوا أنفسهم مُتجاوزين، ولم يجدوا أمامهم إلا سياسة «الهروب إلى الأمام» في تحد صارخ للشرعية الدولية ولتطلعات شعوب الاتحاد المغاربي في التنمية والديمقراطية.
هذه الآثار الإيجابية للمبادرات الوطنية، ما كان لها أن تتحقق لولا التوجيهات الملكية والإجماع الوطني، بخصوص استرجاع المغرب لمقعده داخل الاتحاد الإفريقي، وهي المبادرة التي قطعت مع سياسة المقعد الشاغر، وفتحت آفاق عمل واعدة توجت المبادرات الملكية على صعيد العلاقات الثنائية والمتعددة الأطراف داخل القارة الإفريقية. وبهذا تمكنت بلادنا من كسر كل مؤامرات خصوم وحدتنا الوطنية والترابية، ودفعتهم لنهج سياسات عدائية ضد بلانا ومؤسساتها، وهو الأمر الذي لن يزيدنا إلا إصرارا على الاستماتة في الدفاع عن ثوابت أمتنا على صعيد النظام الملكي والوحدة الوطنية والترابية.
إن مواقف خصوم وحدتنا الوطنية، قد تسببت في خسارات كبرى على صعيد العديد من المستويات، وخاصة من ذلك تعطيلها لمؤسسات الاتحاد المغاربي الذي تحول لهيئة جامدة، وعرقلتها لأي تطور على مستوى المزيد من توحيد جهود القارة الإفريقية أو العالم العربي. وهكذا تحول موقف الخصوم إلى حاجز مُعَرقِل لأية مبادرات وحدوية وأدخل السياق الإقليمي في دوامة من الانتظارية لا يُعرَف لها أي مدى.
وفي نفس سياق الدفاع عن الوحدة الترابية للمغرب، فإن الموقف الذي أعلنه الخطاب الملكي، بخصوص رفض الازدواجية والنفاق الذي تمارسه دول تدعي أنها صديقة لبلادنا، حول قضية الصحراء المغربية، يعتبر نقلة نوعية في تدبير العلاقات الخارجية، وهو إذا كان موجها لكل البلدان، فإن إسبانيا هي المعنية الأولى به، خاصة وأنها من الداعمين للدعوة الانفصالية على جميع المستويات، المالية والإعلامية، مرورا عبر فتحها لقنوات التنسيق مع الجزائر، ضد المغرب.
إن هذا البلد، الذي مازال يحتل جزءً من التراب المغربي، مازال يمارس سياسة استعمارية تجاه المغرب، وقد أبانت قضية استقبال زعيم الانفصاليين، وما تلاها من تطورات، مدى العداء الذي تصرفه مؤسساتها السياسية والإعلامية، ضد بلادنا.
لذلك، ينبغي على حزبنا أن يوسع علاقاته الخارجية، لطرح حقيقة الوضع في المنطقة، الذي يجعل بلادنا في مواجهة قوة استعمارية، تحتمي بعلاقاتها الأوروبية، وتعمل بكل الوسائل الظاهرة والخفية، على دعم الدعوة الانفصالية، قصد إضعاف المغرب.
كما أن العمق الإفريقي والعربي والإسلامي، خاصة في آسيا، من الضروري أن يتم استثماره لفضح كل هذه السياسات، التي مازالت تصرف بمنطق استعماري، يتخذ لبوسا حديثة، وشعارات حقوقية، في غير محلها، وأدوات دعائية معروفة في مجال التسلط والهيمنة.
إن حزبنا مطالب بأن يلعب دورا رياديا في تجميع القوى العربية والإفريقية والآسيوية، المناهضة للسياسات الاستعمارية، القديمة والجديدة، وفضح أساليبها ومحاولات استمرار هيمنتها على الشعوب وخيراتها ومصالحها.
أما على صعيد القضية الفلسطينية ومسألة إعادة العلاقات مع إسرائيل، فإنه رغم النزوع الوطني عند الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، باعتباره واحدا من مسارات استمرار الحركة الوطنية، فإن ذلك لا يعني أي شوفينية ضيقة، أو أي تنكر للأبعاد التقدمية والإنسانية، بل يعني فقط مبادرات تدخل في حسابات جيو-استراتيجية، دون التنكر لباقي الانتماءات. وقد تجسد ذلك في المرونة التي تعامل معها حزبنا بخصوص إعادة العلاقات مع إسرائيل، فلم ننظر للأمر من منظور إيديولوجي ضيق، أو من منظور هوياتي أو قومي، بل استطعنا أن نوجد الجسر بين القضية الوطنية الأولى المرتبطة باستكمال مهام التحرير الوطني وعلى رأسها تأمين الوحدة الوطنية والترابية، وبين عدم التنكر للقضية الفلسطينية باعتبارها قضية تحرر. فاعتمدنا مبدأ استثمار إعادة العلاقات الديبلوماسية مع إسرائيل في خدمة المصلحة الوطنية وتيسير ممكنات حل الدولتين كأفق لحل القضية الفلسطينية بعقلانية وبراغماتية.

السمات العامة للمجتمع الدولي (4): التغيرات الناتجة عن تداعيات جائحة كورونا، تنامي الحركات المحافظة والمتطرفة، تأقلم الاشتراكية الديمقراطية، التأثيرات المحتملة لجائحة كورونا على مختلف الاقتصاديات.
يعتبر الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبي، أن التطورات التي عرفها المجتمع الدولي قد أبانت على أن تأثير العوامل الخارجية على السياسات الوطنية أصبح مُسلمة لا يُمكن تجاهل تأثيرها على الأوضاع ببلادنا، وعلى تموقع حزبنا في المشهد السياسي. فانتقال المجتمع الدولي لنظام العولمة، والتطورات العلمية والتكنولوجية، أدت إلى تشابك التحديات العالمية التي أصبح المجتمع الدولي برمته معنيا بها، فلم يعُد من الممكن أن ينجح مجتمع وطني ما في حماية نفسه لوحده وبإمكانياته الذاتية أمام تحديات من قبيل التحديات التنموية والبيئية والمناخية وقضايا الإرهاب والهجرة بمختلف اشكالها …، بل إن جائحة كورونا قضت على كل أمل في إمكانية الانفراد بمحاربة هذا الوباء.
إن تفشي جائحة كورونا «كوفيد-19»، قد كشف عن ظواهر جديدة ينبغي استحضارها لتحديد السمات المستقبلية البارزة. فبقد ما كان انتشار الوباء عالميا، بقدر ما كانت السياسات الوطنية هي العنصر الأساس في محاربة انتشارها، وقد تجلى ذلك أساسا في كل ما يرتبط بصناعة اللقاحات والأدوية المضادة والأجهزة الطبية وغير ذلك. ولعل هذا العنصر، يُضاف إليه ما حللناه بشكل وافر في الورقة التوجيهية لمؤتمرنا العاشر حول العولمة، ينبغي أن يدفعنا لإعادة النقاش حول ماهية الدولة ومؤسساتها، والمهام المرتبطة بها قصد إعادة فهم ما يجري من أحداث.

تنامي الحركات المحافظة والمتطرفة

لقد أدى نظام العولمة، وبشكل تدريجي إلى محاولة توحيد القيم، وهي ظاهرة فتحت المجال واسعا أمام القوى المحافظة والرجعية والمتطرفة التي لم تجد من مستقبل تحل فيها الإشكاليات التي تُواجهها إلا بالرجوع إلى أنظمة تاريخية ماضية. لقد وجدت كل التيارات المحافظة الفرصة سانحة للتعبير عن ذاتها، في محاولة لمواجهة القيم الكونية، فانتشر الفكر الماضوي في كل المجتمعات الوطنية، تارة تحت ستار ديني، وتارة تحت ستار ثقافي أو حتى إثني. إن ما نلاحظه من الأحداث والوقائع بخصوص الجاليات الأجنبية في العديد من الدول الغربية يدخل في هذا الإطار حيث تنامت المواقف العنصرية ضد الأجانب رغم ما قدموه ويُقدمونه للاقتصاديات التي يعملون على الاندماج فيها.
ولم يسلم العالم العربي أو الإسلامي من هذا التوجه، حيث انتشرت القوى المحافظة تحت ستار ديني، مستعملة في ذلك هامش الحرية المتاح، لتنظيم نفسها بالعمل على هامش مؤسسات الدولة على الاستقطاب داخل كل الفئات الاجتماعية، مستغلة عوامل الجهل والفقر والحاجة، فشكلت لنفسها قاعدة انتخابية مكنتها من استغلال الآلية الديمقراطية للوصول لمؤسسات الدولة. كما استغلت هذه الحركات التذمر الحاصل لدى فئات مجتمعية عديدة من السياسات العمومية القائمة لاستمالتها لجانبها.
إن هذا التوجه العام، يتطلب الوقوف ضده من خلال تفكيك آليات انتشاره، بفضح الخطابات الداعية إلى الكراهية أو العنف أو العنصرية أو أي شكل من أشكال التمييز. يشكل الورش الحقوقي في بعده الكوني أحد الدعائم للإقامة تحالفات لمحاصرة هذه التوجهات.

في ضرورات تأقلم الاشتراكية الديمقراطية

لقد شكل انهيار الكتلة الاشتراكية وتفكك الاتحاد السوفياتي وانهيار جدار برلين محطة مفصلية لإعادة النقاش حول الفكر اليساري بصفة عامة، والفكر الاشتراكي بصفة خاصة. ومع استحضار مختلف التطورات الفكرية، بلور الفكر الاشتراكي الديمقراطي، تصوراته بخصوص إعادة النظر في دور الدولة بتحويل دورها من خلال التقليص من حيادها المزعوم إلى القيام بدور تحفيزي لصالح الفئات الأكثر تضررا داخل المجتمع، بل وإعادة النظر في مضمون الديمقراطية نفسها لتُصبح ذات مضمون اجتماعي وليس فقط سياسي.
ومع توسع نظام العولمة كان لزاما على الفكر الاشتراكي الديمقراطي أن يجد له مكانة متميزة تحفظ له خصوصياته، خاصة أمام ظاهرة كون تحقيق المكتسبات الاجتماعية رهين بتوسيع هامش الربح لدى المقاولات في سياق عولمة رأس المال وإزالة الحواجز الحمائية الوطنية. إن توجها من هذا القبيل ترتب عنه بشكل موضوعي، الوقوف إلى جانب القوى الرأسمالية. وقد أدى هذا الخلل الذي وقع في تموقع اليسار إلى توسع هامش هيمنة اليمين بدل الوقوف بجانب القوى الديمقراطية الاشتراكية.
إن هذا التوجه العام، المتميز بالنزعة نحو الليبرالية المتوحشة الهادفة لتقليص تدخل الدولة، لا يُمكن إلا أن يكون فرصة لنا للدفاع عن دور الدولة في تحسين ظروف معيشة الفئات الأكثر تضررا داخل المجتمع وإقامة التوازن اللازم بين هذا التوجه وبين دعم المقاولات المحققة للنمو. وتبعا لذلك، فإن طبيعة الدولة لا يُمكن أن تكون دولة «حارسة»، ولا دولة فقط «مُنقِذة»، وإنما دولة قادرة على التخفيف من آثار العولمة، إنها الدولة «الراعية»، الدولة القوية، العادية والـمُنصِفة.
إن الدفاع عن دور الدولة، وإدخال البعد البيئي واعتماد خطاب جديد في موضوع الهجرة ونقد نظرية الاستهلاك ومنح القيم مدلولات واضحة (المساواة، العدالة، التقدم …) أسس قادرة على خلق تميز جديد ومنح الاشتراكية الديمقراطية مكانتها الرائدة ضمن منظومة اليسار والقوى التقدمية.
طبعا، نحن مُتأكدين، أن العديد من المسلمات والبديهيات سيطالها التغيير وضرورات التكيف والتأقلم مع تداعيات جائحة كورونا، لكن مداها لا يُمكن إلا أن يكون في صالح مبادئنا وتصوراتنا ذات الطابع الكوني والإنساني على حساب التوجهات المحافظة والمنغلقة.
في التأثيرات المحتلة لجائحة كورونا على الاقتصاديات المتوسطة والضعيفة

لقد تعرض نظام العولمة لهزة عنيفة على إثر انتشار جائحة كورونا. فالمجتمع الدولي أمام إحساسه بخطورة تفشي هذا الفيروس اعتبر أن أفضل طريقة للمواجهة هي إغلاق الحدود، وتقليص الواردات إلى الحد الأدنى، واعتماد سياسات وطنية لإنقاذ الساكنة من هذه الآفة. وكلما تَوَسع تفشي هذه الجائحة، كلما ازدادت المجتمعات انغلاقا على ذاتها. وقد شكلت مرحلة الحجر الصحي في العديد من المجتمعات المتضررة، ضربة أخرى للاقتصاديات الوطنية جراء توقف العديد من الأنشطة الاقتصادية، وبالتالي انصب الاهتمام أساسا على السياسات الاجتماعية.
لقد تبين بالملموس، صحة وجهة نظر الفكر الاشتراكي الذي كان يعتبر التدخل الاجتماعي للدولة هو أحد أركان وجودها، وأن أي حديث مزعوم عن «حياد» الدولة ليس إلا ستارا للتنصل من الوقوف لجانب الفئات الاجتماعية الهشة والضعيفة. ولذا، وجدت القوى الرأسمالية نفسها أمام وضع جديد لا يُمكنه معها الاستمرار إلا بضمان حق أفراد المجتمع في الحياة، فتم فتح نقاش موسع حول الدولة والتزاماتها الاجتماعية.
وإذا كان من الصعوبة بمكان في هذه الظرفية الانتقالية، الخروج بخلاصات في الموضوع، فإنه يُمكن القول على أن التدخلات الاجتماعية للدولة لم تعُد محل مناقشة إلا من زاوية المدى الذي يُمكن أن تصله هذه التدخلات. لقد فرضت جائحة كورونا إعادة النظر في الأدوار التي تُمارسها الدولة والمجالات التي تركتها للقطاع الخاص أو تنافسه فيها. وقد تبين ذلك بشكل جلي على صعيد السياسة الصحية، حيث بات من الضروري وضع التمييز بين الخدمات التي يُقدمها القطاع العمومي والقطاع الخاص ضمن استراتيجية جديدة وواضحة تسمح بتكامل عملها في حالة الأزمات الصحية. وتجلى ذلك أيضا على صعيد كل القطاعات المرتبطة بالتربية والتكوين، وبسياسة الشغل والتشغيل وما يرتبط بها من حماية اجتماعية.
ولم تتوقف الآثار المترتبة عن جائحة كورونا على الصعيد الاجتماعي، بل مست بشكل عميق جل الأنشطة الاقتصادية، حيثُ أن الأساليب المتبعة لمنع انتشار الجائحة فَرَضت توقيف العمل كإجراء احترازي في قطاعات صناعية وتجارية، مما تسبب في تعميق الوضع الاجتماعي. ومع استمرار انتشار الجائحة، توسعت مجال القطاعات المتضررة، فشملت سير الإدارات العمومية، والأنشطة الثقافية والفنية وقطاع الخدمات… وبالتالي أصبحت المراهنة على الرقمنة تتوسع، على صعيد تقديم الخدمات أو حتى على صعيد القيام بالعمل.
لقد تضرر المجتمع الدولي من تداعيات آفة كورونا، واختلفت حدة هذه الأضرار من دولة لأخرى. وأصبحت المراهنة على الخروج من الجائحة بأقل الأضرار الممكنة هي الرهان الذي يُحرك السياسات الوطنية. وبهذا الخصوص أساسا بدأ التميز يظهر بين الدول ذات الاقتصاديات القوية وباقي دول العالم. إن القوى والمؤسسات المالية الكبرى لا يُمكن أن تكون إلى بجانب الدول الكبرى لإعادة «ترميم» اقتصادياتها وتمويل سياساتها الاجتماعية الجديدة، تاركة الدول الأخرى تبحث عن آفاق

تعليقات الزوار ( 0 )

مواضيع ذات صلة

من مقترحات تعديلات المعارضة الاتحادية إعفاء جمعيات المجتمع المدني 

يوسف إيدي لرئيس الحكومة: «أين نحن من الاكتفاء الصناعي؟»

حفل تسليم شهادات نهاية الدورة التدريبية بتعاون مع مؤسسة فريدريك إيبرت التابعة للحزب الاجتماعي الديمقراطي الألماني

في البيان العام للمجلس الوطني للشبيبة الاتحادية