محمد إنفي
لن نقدم تعريفا أكاديميا للديمقراطية؛ ولن نسهب في الحديث عن خصائصها ومميزاتها. سوف نكتفي بالقول بأن الديمقراطية ليست هي الانتخابات فقط (فهذه ليست سوى مجرد آلية من الآليات الديمقراطية)؛ بل هي أوسع من ذلك بكثير. فهي تعني، من بين ما تعنيه، احترام المؤسسات، احترام الرأي الآخر، احترام حقوق الأقليات، احترام الحق في الاختلاف، احترام الخصوصيات، الخ. وهذا يتطلب نمطا من التفكير يتميز، بالضرورة، بالتسامح والانفتاح… ونمطا من السلوك ينسجم وهذه الروح.
والديمقراطية بهذا المعنى لا تقتصر على المجال السياسي فقط، بل تعني العلاقات الإنسانية بصفة عامة، بدءا من العلاقة داخل الأسرة والعلاقة مع الجيران والعلاقات الاجتماعية والعلاقات المهنية، الخ.
ما دفعني إلى الخوض من جديد (انظر مقالنا “كلام في الديمقراطية أو…) في مسألة الديمقراطية، وفي ارتباط مع “بنكيران”، هو حديث هذا الأخير عن التنافس السياسي وتطوير الديمقراطية.
لقد ظل رئيس الحكومة، طيلة ما يناهز أربع سنوات، في حملة انتخابية دائمة، مزهوا باختياره من قبل الشعب الذي يُقِرُّه، حسب زعمه، على كل ما يفعل، ومتباهيا بشعبيته “المتنامية” ومستندا إلى استطلاعات الرأي المخدومة التي تضعه وحزبه دائما في المقدمة…، معتبرا أو معتقدا أن ذلك كفيل بأن يضمن له ولحزبه الاستمرار في التربع على عرش السلطة. وقد خلق، بسلوكه غير الديمقراطي وغير الدستوري، وضعا سياسيا غير سليم بالبلاد، لا داعي للخوض في مظاهره المتعددة والتي تناولنا البعض منها في مقالات سابقة.
الشك والخوف من الخسران في الانتخابات المقبلة قد بدأ يتسرب إلى”بنكيران”. فقد ظهر في الأيام الأخيرة (والعهدة على جريدة “الصباح” ليوم 20 يونيو 2015)، من خلال خطاب مطول ألقاه في فريق حزبه بمجلس النواب، بأن الثقة الزائدة عن اللزوم التي كان يتحدث بها في السابق، قد اهتزت وأصبح في كلامه نوع من الحذر والتوجس.
لقد زعم أنه غير مكترث بنتائج الانتخابات لأن مسألة الفوز فيها من عدمه، هي “سنة الحياة السياسية، ويجب تقبل النتيجتين معا”. والمهم في التنافس السياسي هو تطوير الديمقراطية، كما قال. وهذا كلام لم نعهده منه. وهو، في حد ذاته، يطرح سؤالا عريضا حول صدقية ومصداقية الخطاب السياسي لرئيس الحكومة؛ إذ كيف يمكن تطوير الديمقراطية مع من هو متشبع بالفكر الأحادي؟ وكيف يمكن تطوير الديمقراطية مع من تحركه النزعة التحكمية والهيمنة؟ وكيف يمكن تطوير الديمقراطية بدون التفعيل الأمثل للدستور؟ وكيف يمكن تطوير الديمقراطية دون التأويل الديمقراطي لهذا الدستور؟ وكيف…؟ وكيف…؟
فما نعرفه هو أن الحزب الأغلبي يمارس الهيمنة حتى على حلفائه، وأن السيد “بنكيران” لم يستطع، يوما، أن يخرج من الشرنقة الحزبية ويلعب دور رئيس حكومة كل المغاربة. بالمقابل، فهو لا يتورع عن التدخل في الشؤون الداخلية للأحزاب؛ وبالأخص أحزاب المعارضة. وهذا كله نعتبره من أخسر الأعمال.
تعليقات الزوار ( 0 )