الشبيبة الاتحادية لم تستنفد بعد مهامها التاريخية
صادق المجلس الوطني للشبيبة الاتحادية في الدورة الاستثنائية ، بالإجماع، على مشاريع المقررات التنظيمية والتوجيهية والاعلامية والعمل الجمعوي والعلاقات الخارجية في آخر دورة له يوم السبت 10 شتتنبر بالرباط، في أفق المؤتمر الوطني التاسع للشبيبة الاتحادية الذي اختار له شعار: كرامة ، حرية ومساواة أيام 27- 28- 29 شتنبر 2022 بالمركب الدولي للطفولة والشباب ببوزنيقة .
ولأهمية هذه المقررات ننشرها كالتالي:
مشروع المقرر التوجيهي
تمهيد:
ينعقد المؤتمر الوطني التاسع للشبيبة الاتحادية،تحت شعار: كرامة، حرية ومساواة، في ظروف تجعل منه محطة مفصلية في تاريخ المنظمة، باعتبارها إطارا سياسيا شبيبيا، ارتبط تاريخيا بالنضال لأجل بناء مغرب ديمقراطي وحداثي، وهو الأفق النضالي الذي يجعل منها منظمة مهتمة بجميع التغيرات والتحولات التي تعرفها الأوضاع العالمية والإقليمية والمحلية.
فالشبيبة الاتحادية ومنذ نشأتها، وهي تحدد أفقها النضالي في كل محطة تنظيمية، كانت دائما تنطلق من محاولة الفهم الواقعي، للظرفية السياسية التي يجري فيها انعقاد رهاناتها التنظيمية، وإذا كان مؤتمرها الوطني التاسع، يأتي مباشرة بعد انعقاد المؤتمر الوطني الحادي عشر لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وهي المحطة الحزبية التي ساهم فيها مناضلات ومناضلي الشبيبة الاتحادية إلى جانب إخوانهم الحزبيين، في تحيين أجوبتهم للعديد من الأسئلة المطروحة عليهم، بخصوص مجموعة من القضايا المجتمعية، ومنها القضايا المرتبطة بالشباب عموما وبالشبيبة الاتحادية على وجه الخصوص، إلا أن هذا لا يمنع من الاستمرار في إنضاج النقاش حول هذه القضايا، وبطبيعة الحال بصورة تنطلق من مخرجات جميع الأدبيات الحزبية والشبيبية، حتى تتمكن الشبيبة الاتحادية من تجويد أدائها النضالي، ومن تقوية حضورها وسط المشهد السياسي الشبيبي، وهو ما لن يتحقق إلا بفهم الواقع الذي نعيش فيه، وباستيعاب شروط الظرفية التي نشتغل فيها، حتى نتمكن من تطوير أساليب منظمتنا وآلياتها، ذلك أن من لا يتطور ينقرض بالضرورة، والشبيبة الاتحادية لم تستنفد بعد مهامها التاريخية.
إن الشبيبة الاتحادية، كتجربة سياسية شبيبية رائدة، مطروح عليها اليوم، أن تجد أجوبة موضوعية، لمجموع التحديات المطروحة أمامها، حتى تضمن استمراريتها كفكرة وكتنظيم، شكل دائما وعاء ديمقراطيا، تقدميا، وحداثيا، لاستيعاب الشبيبة المغربية،وهو ما يتطلب من مناضلاتهاومناضليها، الجرأة والمسؤولية فيالتشخيص والاقتراح والاختيار.
دوليا: قد نجمع جميعا أنه لا يمكن الحديث عن فهم الأوضاع الوطنية، من دون محاولة فهم الأوضاع الدولية، التي تميز طبيعة المجتمع الدولي اليوم، ذلك أن أوضاعنا الداخلية، تتأثر بشكل كبير بمجموع التحولات والتغيرات التي يعرفها العالم، لا سيما ما ارتبط منها بسؤال سلامة الفهم المؤسس على التقاطبات الكلاسيكية، رأسمالي-ليبرالي، يمين- يسار…إلخ.
لقد أبانت الحرب الروسية الأوكرانية، والتي لاتزال مستمرة منذ فبراير 2022، أن هناك صراعا جيوسياسيا لا غاية منه غير حسم من له القدرة ليحقق الهيمنة على العالم، وهو الصراع الذي بات يأخذ اليوم طابعا استئصاليا، وما يعني في حالة استمراره وبهذه الصورة والطبيعة، أن العالم لن يتجاوز فكرة الهيمنة الأحادية، والقطب الواحد، حتى وإن تغير التوجه المهيمن فيه، وحتى وإن تحقق تعدد الأقطاب المهيمنة، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية، لاتزال هي القوة الأولى عسكريا، اقتصاديا، وتقنيا، خصوصا بعد نجاحها في إرساء دعائم نظام عالمي جديد، مضمونه العولمة الاقتصادية، وهو ما يعني تحقق تعددية خاضعة لهيمنة القوة الكبرى فيها.
والأكيد أن صراع هذه القوى العالمية بغاية تحقيق الهيمنة على العالم، والذي يتمحور حول توزيع نفوذها إقليميا، تصاحبه صراعات وتوترات إقليمية، سواء كانعكاس لاستقطاب هذه القوى العالمية لتابعين إقليميين لها، أو كطموح دول هذه الأقاليم لتحقيق ما بات يعرف عند المهتمين بمجال العلاقات الجيوسياسية بالهيمنة الإقليمية، وفي هذا الإطار يمكننا فهم التصرفات العدائية التي قادتها الجارة الشرقية ضد مصالح بلدنا، ذلك أن ما يميز هذا النوع من الصراعات ( الإقليمية) هو كون غالبيتها صراعات وجودية، تغيب فيها الحوارات السياسية والحلول الديبلوماسية، وهذا ما يفسر جنوح جارتنا الشرقية إلى قطع العلاقات الديبلوماسية مع بلدنا، وفي هذا الإطار، يحق لنا وبكل مسؤولية، أن ننوه بتعاطي بلدنا المسؤول، بكل مؤسساته وأجهزته، مع التصرفات الجزائرية المستفزة، حتى لا نكون طرفا في صراع دولي بصورة إقليمية من أجل فرض مشاريع الهيمنة.
ومن جهة ثانية، فقد كشفت تداعيات جائحة كورونا، وخصوصا ما تعلق منها بانخراط العديد من دول العالم ومن أجل مواجهتها، في سن العديد من التدابير الاحترازية، عن أهمية الدولة الوطنية، وهي الأهمية التي انكشف معها ضعف إيمان الدول بقيم ومبادئ الليبرالية الديمقراطية، وهي العقيدة السياسية التي عرفت شيوعا مبهرا لا سيما بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وهو ما أكد أن الاشتراكية الديمقراطية، كمجموعة من القيم والمبادئ، وكحامل أساسي لمفهوم الدولة الاجتماعية، لاتزال ضرورة أمام الشعوب والدول التي تهدف إلى استمراريتها، كمنظمات قادرة على مواجهة آثار العولمة.
وطنيا:لقد كان موقفنا من الدينامية المطلبية التي عرفها الشارع المغربي سنة 2011 ( حركة عشرين فبراير) موقفا واضحا، ذلك أن مطالبها لم تأتي إلا لتجديد مطالب شبيبتنا وحزبنا، ونظرالأننا جزء من حزب ساهم بشكل كبير في ترسيخ ثقافة الاحتجاج بالمغرب، وفي الإسهام بشكل كبير في مسلسل إصلاحي تراكمي، مكن البلد من تفادي مآلات دول أخرى، وذلك بالاستجابة لجزء كبير من مطالب الحركة، وبإصدار وثيقة دستورية تضمنت مجموعة من المستجدات الدستورية التي تؤسس لبناء ملكية برلمانية فعلية، وهو ما جعلنا ننخرط في التعبئة للتصويت بالقبول لدستور 2011، ذلك أننا نؤمن أن البناء الديمقراطي بناء تراكمي، وأن الديمقراطية تصور عام، ومجموعة من القيم والمبادئ، وهي ليست وصفة جاهزة قابلة للاستيراد، كما أنه لا وجود لأي نظام سياسي ديمقراطي كامل، وأن الخصوم الفعليين للديمقراطية، هم الذين يرفضونها في صيغتها القيمية بالرغم من قبولهم لها في صيغتها الإجرائية.
لقد تشكلت عندنا قناعة راسخة، سواء عندما كنا جزء من حركة 20 فبراير، أو عندما تابعنا النقاش الذي صاحب صياغة دستور 2011، بأن النقاش الفعلي بالبلد، هو نقاش مجتمعي، وبأن الخطر الفعلي الذي يهدد المسار الديمقراطي بالبلد، هو خطر المد اليميني المحافظ، الذي انتعش بسبب استغلاله للعقيدة الدينية للمغاربة، وبسبب النفور الذي حصل بين الفئات الشعبية الهشة وبين قوي اليسار الكلاسيكية التي كانت تعتبر الحامل الوحيد لانتظارات هذه الفئات، وظهور قوى يسارية واقعية، تؤمن بالاشتراكية لكنها لا تؤمن بزوال الدولة ولا تعادي كل المبادرات الاقتصادية الفردية، لذلك فهي تظهر عند غير الملم والمهتم بمظهر المعادي لهذه الفئات.
هذه القناعة، هي من جعلتنا نختار التموقع في معارضة الحكومة الأولى بعد دستور 2011، وهي من جعلتنا نختار المشاركة في الحكومة التي تلتها، وهو الاختيار الذي كان محكوما برغبتنا في لعب دور صمام الأمان من داخل الأغلبية الحكومية، بعدما تبين لنا أن المنطق الذي يحكم اشتغال الحزب الذي ترأس هاتين الحكومتين، منطق يلغي أدوار وحقوق المعارضة، وأن فهمه للديمقراطية فهم ميكانيكي، يتأسس على اختزال مبدأ الأغلبية الذي يوجهها في مجرد أرقام، وهي القناعة التي جعلتنا اليوم وانسجاما مع تاريخنا ومع عقيدتنا السياسية، وبعد استمرار هذا الفهم المغلوط للديمقراطية، ولو بشكل آخر وبصورة أخرى، تمثلت في ما نسميه اليوم «بالتغول الثلاثي» ملزمين بالاستمرار في أداء مهامنا النضالية، وفي مواجهة خصوم الديمقراطية، وبطبيعة الحال من خلال آليات التنافس السياسي السلمي، وبتقوية موقع حزبنا داخل المشهد السياسي العام بالبلد، وهنا تبرز أهميتنا كشبيبة اتحادية، وتتحدد أدوارنا إلى جانب إخواننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، على اعتبار أننا الحاملين الفعليين والشرعيين للاشتراكية الديمقراطية، التي أضحت اليوم ضرورة ملحة.
فكيف يمكن للشبيبة الاتحادية أن تطلع بمهامها هذه؟
إن محاولة الجواب على هذا السؤال، تستلزم طرح مجموعة من التساؤلات الفرعية، حول:
ما الذي يمكن أن تقدمه الشبيبة الاتحادية للشباب المغربي؟
ما الذي يمكن أن تقدمه الشبيبة الاتحادية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟
ما الذي يجعلنا قوة سياسية يسارية طليعية؟
من أجل تعاقد جديد مع الشباب المغربي: (أفق جديد وحلم جديد)
لقد شكلت الشبيبة الاتحادية دائما، كمؤسسة للتنشئة السياسية ذلك الإطار المفتوح الذي يستوعب جميع انتظارات الشبيبة المغربية، حيث ارتبط وجوده تاريخيا بالنضال معها ولأجلها، من خلال العمل على تعبئتها، تأطيرها، وتمكينها من منبر حر للتعبير وللتواصل مع باقي فئات المجتمع، وهي المهام التي لم تعد تؤديها الشبيبة الاتحادية بالشكل المطلوب، بالرغم من الرهانات والتحديات الكثيرة المطروحة عليها، والتي تفرض عليها اليوم وأكثر من أي وقت سابق، أن تكون الحاضن الأول والرئيس لاهتمامات وانتظارات الشباب المغربي.
ومن باب المسؤولية، وجب الإقرار بأن هذا التراجع سببه ما هو مرتبط بالشرط الذاتي، أي بتخاذلنا كمناضلات ومناضلين، وما هو مرتبط بالشرط الموضوعي، والذي يمكن اعتباره نتيجة للمتغيرات التي عرفها المغرب على جميع المستويات، وأهمها ما لحق انطباعات جزء كبير من المغاربة وخصوصا الشباب منهم حول الممارسة السياسية والفاعلين السياسيين، وفي هذا الإطار ليس سليما أبدا، إرجاع تشكل هذه الانطباعات فقط إلى عمل قوى مصلحاتية، تتجسد مصالحها في قتل السياسة بالبلد، وإلا ماذا تقدم الإطارات السياسية وخصوصا الشبيبية منها للمغاربة ولاسيما للشباب منهم بهدف تغيير انطباعاتهم هذه؟
لقد تغير مفهوم الالتزام الحزبي عند غالبية المغاربة نعم، ولم يعد مرتبطا بالنضال والتضحية والالتزام، بل صار رديفا في معناه لمعنى الوصولية والانتهازية ومجموعة من المفاهيم السلبية الأخرى، وهذا يجد ما يفسره، في غياب ما نقدمه لهم كمنتوج سياسي وكأفق نضالي ملهم، وبتوافر عروض ترغيبية ومغرية تقدمها بعض الإطارات السياسية، مضمونها تحقيق المصالح الشخصية مقابل الانتماء الحزبي.
إن التاريخ يثبت، أن الشبيبة الاتحادية كانت قادرة على تعبئة الشباب المغربي، وعلى توجيهه نحو مصالحه الحقيقية، حينما كانت تقدم له أفقا نضاليا واضحا، مضمونه حلم بناء المغرب الديمقراطي، وهو ما غاب عنها نتيجة للعديد من الأسباب، أهمها أفول ما يمكن أن نسميه بالفكر الاشتراكي الكلاسيكي، وبالتالي انهيار القيم التي كان يناضل لأجل تكريسها، ثم التطورات التي عرفهاالمغرب وانعكاساتها على المشهد السياسي، خصوصا بعد مشاركة حزبنا في حكومة التناوب التوافقي، وبعد تدشين عهد الانتقال الديمقراطي بالمغرب، وهو الوضع الذي صاحبه بروز حركات سياسية تتعامل مع الشباب بخلفية انتهازية، يقدم له جزء منها حلما، يتجسد في قصر في الجنة، ويتقدم إليه جزء ثان منها بعروض براغماتية، بما تعنيه البراغماتية هنا من دلالة سلبية. هذا الوضع يفرض علينا أن نفكر في عرض سياسي جديد قادر على استقطاب الشبيبة المغربية، وهو ما لا يمكننا تحقيقه إلا بتجاوز فكرة أن الشباب مشكلة حاضر، وكابوس غد، وبتجاوز اختزاله في فئة بيولوجية، بل يفرض التعامل معه كمجموعة من الانتظارات وجب التفكير معه فيها.
حيث أن إيجاد إجابات مقنعة وواقعية، لانتظارات الشباب المغربي وبصورة تضمن تطلعاتهم، مدخل أساسي لضمان التفافهم حول منظمتنا، وهذا هو ما يجب أن يكون أساس العرض الذي يجب أن نقدمه لهم، وما لا يمكن إدراكه إلا بتجاوز المقاربات الكلاسيكية في التعاطي معهم باعتبارهم فئة عمرية محددة وكتلة موحدة ومتجانسة، فالشباب حقيقة هم مجموعات مختلفة، باختلاف مساراتها ونشأتها ومستوياتها التعليمية ومواقعها الاجتماعية، وهو ما يؤدي بالضرورة إلى اختلاف انتظارات وتطلعات واحتياجات كل مجموعة منها، وما يفرض علينا أن نفكركخطوة أولى، في تقديم عروض متعددة بتعدد هذه الفئات، حيث يجب أن تتنوع أساليبنا وآلياتنا في هذا الإطار، بين التنشيط، التثقيف، التكوين والتأطير، وكخطوة ثانية، أن نبحث في ما يمكن أن يكون قاسما مشتركا بينها، أي إيجاد أفق نضالي يوحدها ويلهمها، والذي لا يمكن تصوره خارج بناء مغرب ديمقراطي حداثي ضامن للكرامة وللحرية، كأفق لمشروع مجتمعي ينهل من أدبياتنا السياسية.
وإذا كان المغرب قد اختار بكل مسؤولية، بناء الدولة العصرية، بكل ما تعنيه هذه الدولة من إقرار للديمقراطية ومن تكريس للحداثة، فإن المسؤولية الملقاة علينا اليوم، هي أن لا نسمح بأن يكون هذا الاختيار مجرد وهم، وبأن لا يعيش المغرب حالة من وهم الديمقراطية ووهم الحداثة، وأن ندفع وبشكل مسؤول نحو ترسيخ هذه القيم من داخل المجتمع، حتى نبني مجتمعا ديمقراطيا وحداثيا، وهو ما لا يمكننا إدراكه إلا بإشراك الشبيبة المغربية في رهان تحديث ودمقرطة المجتمع، من خلال العمل على شيوع القيم الموجهة لهما والمستتبعة لهما، وأول هذه القيم هي قيمة الكرامة وقيمة الحرية، إذلا معنى لبلد ديمقراطي ولمجتمع ديمقراطي، لا كرامة فيه لأبنائه، حيث سنكون أمام مجتمع ديمقراطي صوري، تحترم فيه كل شكليات الديمقراطية، وتفرض فيه كل مظاهر التحديث، لكن لا تحترم فيه كرامة الإنسان.
والكرامة لا نعني بها غير إحساس المواطن بمواطنته، بحريته، بانتمائه لبلده، وبقدرته على الولوج إلى كل الحقوق التي تم إحقاقها له، حيث يمكن أن يتم إحقاق الحق للجميع، لكن الولوج إليه لا يكون متاحا أمام هذا الجميع، وهذه صورة تنتفي معها الكرامة، وهذا ما لا نريده لبلدنا، وما يدفعنا وبكل مسؤولية ليكون نضالنا نضال من أجل الكرامة أي من أجل المساواة ومن أجل الحرية.
من أجل قطاع حزبي شبيبي
فاعل وملتزم:
إننا ونحن نحضر لمؤتمرنا الوطني التاسع، نعتقد أن مواقفنا تجاه العديد من القضايا الوطنية والدولية هي مواقف ثابتة، وقد جدد حزبنا التعبير عنها مرارا، وهي مواقف صارت جزء من هويتنا السياسية، وليس من الضروري التذكير بها هنا، كما أننا نرى أنه لا داع للخوض في تشخيص الأوضاع المرتبطة بالشباب، ليس لاستهانة منا بضرورة هذا العمل ولا بأهميته، لكننا مقتنعين أن حزبنا وخلال مؤتمره الوطني الأخير، وقبله على مستوى البرنامج الانتخابي الذي تقدم به لخوض الانتخابات التشريعية الأخيرة، قد توسع وبشكل مستفيض في نقاش كل القضايا المجتمعية، بما فيها القضايا المرتبطة بالشباب، كالتشغيل والبطالة والعنف والانحراف، والهجرة … إلخ.
وفي هذا السياق، نستحضر هنا جزء من أهم ما جاء في برنامجنا الانتخابي في ما يتعلق بمقترحاتنا حزبا وشبيبة، من أجل تأهيل أوضاع الشبيبة المغربية:
«إن الشباب هو المتضرر الأساسي من غياب سياسات تقليص الفوارق الاجتماعية داخل المجتمع من جهة، ومن جهة أخرى يعد موردا بشريا مساهما في تحقيق العدالة الاجتماعية. وﻳﻌﻮد اهتمام حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلى وعي مناضليهومناضلاته المشترك أنه حان الوقت لتجاوز إعلان النوايا التي عانى منه الشباب المغربي خلال العشرية الأخيرة، وضرورة تبني سياسات وطنية تعزز المكتسبات الدستورية وتترجم الخطب الملكية وتجنب المجتمع المغربي التفكك وتهديد السلم الاجتماعي.
حيث يقتضي تحقيق العدالة الاجتماعية أن نجعل الشباب في صلب البرامج والاستراتيجيات التي تصدرها القطاعات الحكومية المغربية، وأن نعمل على تجاوز الرؤية القطاعية التي تفتقد للشمولية والإدماج والتنسيق.
كما يتطلب ضمان الانصاف والإدماج الاجتماعي للشباب توفر الدولة المغربية على أجهزة للرصد والحكامة وتدبير الشأن الشبابي. حيث يحرص حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، وتبعا لتصوره الاشتراكي الديموقراطي على تحقيق مجتمع متوازن يحتل فيه الشباب موقعا خاصا من حيث المشاركة السياسية والتأثير في السياسات العمومية والمساهمة في التوافق الوطني حول الاختيارات المستقبلية الكبرى.
فالأكيد أن القضايا المرتبطة بالشباب المغربي هي قضايا مستعصية، حيث أن هناك أعطاب كثيرة في مجال التعليم، والدليل على ذلك ارتفاع نسبة الهدر المدرسي. وأن نسبة البطالة تصل إلى ضعف المعدل الوطني أي 20 في المئة، وأن أغلبية الشباب المشتغلين يعملون بالقطاع غير المهيكل، وأنها تستهدف بشكل كبير الشباب الحاصل على الشهادات العليا نظرا لتقليص المناصب المحدثة في القطاع العام وعدم ملاءمة شهادات التعليم العمومي مع حاجات المقاولات الخاصة، كما يعانون أيضا من مشاكل وصعوبات على مستوى الرعاية الصحية. كل هذا يؤدي إلى إقصاء الشباب عن المشاركة في الحياة الاقتصادية والمدنية مما يخلق أعطابا في عجلة التنمية داخل المجتمع.
كما تدل الدراسات الرسمية المغربية على عزوف الشباب عن الحياة السياسية والنقابية وأن نسبة 10 إلى 15 في المئة منهم لا يتوفرون على تغطية صحية، هذا ناهيك عن انحراف عدد مهم منهم وانزلاقهم في عالم المخدرات والجريمة والتطرف.
ونظرا لكل ذلك يتجه كثير من الشباب اليائس، سواء كان متعلما وحاصلا على شهادات عليا أو كان غير متعلم، إلى الهجرة سواء السرية أو النظامية، والتي ينظر إليها كخلاص ونجدة.
ولضمان الإنصاف والإدماج الاقتصادي والاجتماعي للشباب، لا محيد عن :
خلق مناخ منفتح ومتنوع ومتعدد من أجل تطوير منابر للحوار المستمر يجمع كل الأجيال ويرسخ التوافق الوطني حول سياسة عمومية وطنية مندمجة، مهمتها الأساسية الحد من تأثير الفوارق الاجتماعية والمجالية على الشباب المغربي.
إرساء إطار قانوني وتنظيمي يلزم القطاعات الحكومية باتخاذ التدابير الضرورية لتقليص الفوارق المجالية والاجتماعية، كما يحثها على توفير فضاءات وأماكن تتيح للشباب في الأحياء والقرى التوفر على فضاءات للترفيه والتثقيف والرياضية.
إعادة الاعتبار وتمكين مؤسسة «دار الشباب» باعتبارها مؤسسة لعمل القرب من الآليات القانونية والمؤسساتية والبشرية والتعاقدية من أجل تعزيز مشاركة الشباب في خلق الثروة، واختيار مشاريعهم في الحياة بكل حرية.
تطوير هندسة جديدة للمؤسسات الحكومية المعنية بتدبير وحكامة الشأن الشبابي، حتى نتمكن من إرساء سياسة وطنية عرضانية للإدماج الاجتماعي للشباب، تنبني على توحيد جهود القوى الحية (الحكومة، المجالس المنتخبة، الشباب، الأحزاب، القطاع الخاص، المجتمع المدني…) من أجل تحرير الطاقات الإبداعية الكامنة للشباب.
جعل تطوير القدرات الفردية والجماعية للشباب خصوصا في وضعية إعاقة، في صلب الخدمات الاجتماعية الأساسية، من خلال تمكين الشباب من التكوين الملائم مدى الحياة، واكتساب قاعدة مضمونة ومشتركة من المعارف الأساسية والوظيفية وتنمية مؤهلاتهم العملية.
وضع تدابير وإجراءات وآليات للتمييز الإيجابي مبنية على السن أو الجيل (بطاقة خدمات الشباب، صندوق دعم الفرص الاقتصادية للشباب…) قصد تسهيل ولوج الشباب إلى العمل اللائق والخدمات العمومية الأساسية والارتقاء الاجتماعي وتعزيز ثقتهم في مؤسسات بلادهم.
اعتماد نظم تدبيرية تقوم على مشاركة الشباب في صنع القرار سواء الترابي أو القطاعي، تساعد على الحصول على المعلومات وتحقق الإدماج في مجتمع متضامن.
خلق تعبئة وطنية حول برامج خاصة بالشباب، لاسيما أولئك الذين يعيشون في وضعية هشاشة (الشباب في وضعية إعاقة، والشباب بدون مأوى، والشباب دون تعليم أو شغل أو تكوين مهني…)، حتى تتمكن الدولة من إدماجهم بشكل متساو ومنصف في المجتمع».
وانطلاقا من كل هذا، أي من هذا المجهود الحزبي المقترح لتأهيل أوضاع الشباب المغربي، ومن قراءتنا للظرفية التي ينعقد فيها مؤتمرنا، ومن غايتنا المتمثلة في تجديد صورة حضورنا وطبيعة أدائنا النضالي، ومن أجل تسخير جهدنا كمناضلات ومناضلين في ما نؤكد أنه ضرورة مطروحة أمامنا اليوم، وهو كيف يمكن للشبيبة الاتحادية، أن تساهم بشكل فعلي في تكريس موقع حزبنا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية؟، باعتبارها قطاعا حزبيا، يشكل تلك القنطرة التي تربط الحزب بالشبيبة المغربية. نعتقد أنه لا يمكنناأن نتوفق في محاولة الجواب على هذا التساؤل، إلا إذا تمكنا من تحيين مجموعة من الأسئلة، المؤطرة لحضورنا ولأدائنا النضالي، ومن إيجاد أجوبة واقعية لها، لاسيما تلك الأسئلة المرتبطة بالقضايا والمجالات التي تميزنا كمنظمة يسارية تقدمية.
تكريس المناصفة من أجل تجويد الفعل النضالي النسائي :
لقد ارتبط الفعل النضالي النسائي بالمغرب، بالأحزاب التقدمية عامة، وبحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خصوصا، حيث شكلت المناضلات الاتحاديات، دعامة أساسية في تجويد وتطوير الأداء النضالي للاتحاد الاشتراكي منذ نشأته.
إن الوضع المتقدم الذي أصبح يميز حضور المرأة داخل الحياة العامة المغربية، لم يكن وليد الصدفة، ولا نتيجة حتمية لمجموع التغيرات التي يعرفها المغرب فقط، بل هو نتاج لمسار نضالي متميز، كان لأخواتنا إلى جانب باقي النساء المغربيات المؤمنات بالحرية، دور أساسي فيه.
قد يلاحظ المتتبع للفعل النسائي بالمغرب، أن هذا الفعل قد عرف تراجعا ملفتا بالمقارنة مع شروط الظرفية السياسية، التي كان من المفروض أن تكون محفزا له، ليعرف توهجا واستمرارا يتوج لا محالة بتحقيق مكتسبات جديدة، وتكريس حقوق أخرى تشكل مدخلا لمساواة حقيقية، تكون أساس المغرب الديمقراطي الحداثي الضامن للكرامة وللحرية الذي نريد.
إن السبب الرئيس في هذا الأفول النضالي النسائي، ليس غياب طاقات نسائية مؤمنة بالتغيير، بل هو راجع بالأساس إلى انزياح بعض التيارات النسائية، عن التوجهات الكبرى التي حكمت فعل الحركة النسائية منذ نشأتها، وانغماسها بشكل غير محسوب، في الدفاع عن اختيارات جندرية سلبية، تجعل النضال من أجل حقوق النساء، يأخذ صورة عدائية للرجل، بشكل يختزل نضال المرأة في محاربة الذكورية الثقافية، في حين أن هذا المعطى لم يشكل دائما، إلا جزء من كل، تفانت المرأة المغربية في النضال من أجل تحقيقه.
لقد كان للنضال النسائي معنى، وكان لحضور النساء في المشهد الحزبي والسياسي غاية، عندما كان النضال من أجل تعزيز حقوق المرأة، صورة من صور النضال من أجل الديمقراطية، ما يعني أن الانخراط في دعم تقوية حضور المرأة المغربية، وتعزيز حقوقها، والحفاظ على ما تحقق من مكتسبات في هذا المجال، يفرض اليوم الانخراط في البناء الديمقراطي، فلا ديمقراطية من دون مواطنة، ولا مواطنة من دون مساواة حقيقية، ليكون هكذا النضال لأجل الديمقراطية، مرتبط بالنضال من أجل تمكين المرأة المغربية من كامل حقوقها.
ومن هذا المنطلق، وبهدف تعبئة الشابات المغربيات، وضمان انخراطهن في معركة إحقاق حقوقهن، والذي لا يعني غير انخراطهن في معركة تكريس الديمقراطية، أصبح من الواجب علينا اليوم، وانسجاما مع كون الشبيبة الاتحادية منظمة ارتبط وجودها بالنضال لأجل الديمقراطية، ولأجل الحرية والكرامة والحداثة، أن نعمل بجهد أكبر على ضمان تكريس مبدأ المناصفة التامة في كل أجهزة منظمتنا التقريرية والتنفيذية.
فوحده هذا الاختيار، بالإضافة إلى وضوح تصوراتنا حول تمكين النساء عموما، والشابات منهن على وجه الخصوص، والذي يجب أن يكون موضوع نقاشات مستفيضة، تحتويها أجهزتنا التقريرية والتنفيذية، كفيل بجعل الشبيبة الاتحادية، الإطار السياسي الشبيبي القادر على استيعاب أكبر عدد من الطاقات الشبيبية النسائية.
الانخراط في التأسيس لبديل بيئي:
الأكيد أنه من بين أكبر الأخطار التي تهدد العالم اليوم هو خطر تدمير البيئة، وهو ما يجعلنا كمنظمة اشتراكية ديمقراطية، ملزمين على أن نكون في طليعة المصطفين للحد من الأخطار التي تهددها.
والمؤكد أن أكثر ما يهدد البيئة هو الضغط البشري، الذي لا عنوان له غير استنزاف الثروات الطبيعية، وهو الضغط الذي يمكن اعتباره نتاجا طبيعيا لجشع النظام الرأسمالي، الذي بلغ مستويات متوحشة، أصبحت معها علاقةالإنسان بالبيئة، مؤطرة بالاستغلال والاستنزاف بغرض الربح وبغاية خلق رفاهية لحظية وغير مسؤولة عن مستقبل البشرية، ونحن هنا لا نهاجم نموذجا سياسيا واقتصاديا انتصارا لمرجعية إيديلوجية نقيضة، نرى أنها لا تطرح أي بديل إيكولوجي، بل تكتفي فقط برفض استفادة نخبة رأسمالية من استنزاف الثروات الطبيعية، لكننا نؤكد وبكل مسؤولية أن اختيارات الرأسمالية الخضراء لن تضمن للعالم تفادي خطر تدمير البيئة.
وفي هذا السياق، يتضح أنه لا بديل غير إعادة تأطير العلاقة التي تربط الإنسان بالبيئة، وجعلها علاقة تتأسس على فكرة الحماية، والحفاظ على الثروات والموارد الطبيعية، بعقلنة تدبيرها وفق الاحتياجات الإنسانية الضرورية.
وهو ما لا يمكن تحقيقه، إلا مع تحقق وعي عالمي بضرورته الحتمية، وما يتطلب انخراط المؤمنين بهذا الاختيار، الذي يجب أن ينطلق أولا من التعريف به كبديل بيئي، وهذه هي المهمة الأولى المطروحة على الشبيبة الاتحادية اليوم، والتي انخرطنا فيها عن وعي وعن قناعة، بتوجيه مناضلاتهاومناضليها، نحو الاهتمام والاشتغال من داخل المجالات المرتبطة بالبيئة، بخلفية تتأسس على فكرة الدفاع وتقوية أدوار الدول، ودفعها في اتجاه تغيير استراتيجياتها التنموية، وتوجيه المبادرات الاقتصادية، لتكون مبادراتتحترمإيكولوجية الطبيعة.
وهي الاستراتيجية التي يجب أن نستمر فيها، حتى نجعل من الشبيبة الاتحادية، المنظمة السياسية الواعية والمدركة للأخطار التي تهدد الإنسانية، وحتى نضمن استمرار حضورها كجزء مهم وسط المنظومة المؤسساتية الدولية، التي تناضل لأجل القضايا الأممية.
تجويد الفعل الشبيبي من أجل دعم الأداء الحزبي:
يتموقع حزبنا اليوم في موقع المعارضة كأول قوة سياسية فيها، وهو الموقع الذي يتواجد فيه للمرة الثانية، بعد أن كان قد عاد إليها بعد تشريعيات 2012، بعد المشاركة في تدبير الشأن العام لأكثر من عقد من الزمن، وإذا كان الوضع العام للحزب في مرحلة عودته الأولى لموقع المعارضة، موسوما بالضعف التنظيمي، وبالانحسار النضالي، نتيجة لمجموعة من الأسباب الذاتية والموضوعية، والتي لا طائلة من معاودة تكرارها هنا، فيكفي أن نستحضر ما قاله أخونا الكاتب الأول حينها، الأخ عبد الواحد الراضي، بخصوص سيرنا نحو الانتحار الجماعي، لنقف على صعوبة أوضاع حزبنا حينها، فإن الوضع العام للحزب اليوم، بقيادة أخينا إدريس لشكر، هو وضع مريح، فالحزب يشغل موقع القوة السياسية الأولى في المعارضة، كما أنه عقد مؤتمرا وطنيا ناجحا، وهو يمضي بثبات نحو استكمال تجديد جميع هياكله التنظيمية، هذا التجديد الذي يندرج في إطاره انعقاد مؤتمرنا التاسع، وهو ما يسمح لنا أن نطلع بمهامنا المطروحة علينا وبأداء أدوارنا بالشكل الذي نريده لحزبنا ووطنا.
لقد حدد حزبنا وبشكل مسؤول، طبيعة المعارضة التي سيمارسها، وجعلها معارضة على مستويين، معارضة مؤسساتية ومجتمعية، وإذا كان إخواننا في الفريقين الاشتراكيين بغرفتي البرلمان، يؤدون مهامهم بالشكل المطلوب، فالمطروح علينا هو مساعدتهم ودعمهم، من خلال العمل على إيصال انتظارات المغاربة ومشاكلهم، لاسيما المحلية منها إلى البرلمانيين الاتحاديين، حتى يترافعوا حول إيجاد حلول لها، ومن جهة أخرى، ونظرا لتواجدنا وحضورنا داخل منصات التواصل الاجتماعي، فمفروض علينا أن نطلع بمهمة التعريف بالمجهود الذي يبذله حزبنا من خلال نوابه ومستشاريه بالبرلمان، حتى يصل إلى أكبر عدد من المغاربة، في إطار استراتيجية تواصلية، من اللازم أن نضعها خلال مؤتمرنا القادم.
وعلى اعتبار أننا منظمة مناضلة، ساهمت منذ نشأتها في بناء المغرب الديمقراطي، وانطلاقا من موقعنا في المعارضة، ومن طبيعة المعارضة التي نريدها معارضة مجتمعية، مطروح علينا المساهمة الفعالة كشبيبة اتحادية، في تعبئة الشباب المغربي ليكون فاعلا أساسيا، على اعتبار أنه المعني الأول بمستقبل البلد، في معركة مواجهة تغول المال والسلطة، الذي أصبح يشكل اليوم تهديدا حقيقيا لمسار البناء الديمقراطي بالمغرب.
إن تموقعنا في المعارضة اليوم، يجعلنا في موقع مريح، حتى نستمر في مسار ترصيد ما حققناه إلى جانب الشعب المغربي من مكتسبات، وحتى نستمر في عملية تحديث المجتمع والدولة، وحتى نكون في طليعة المدافعين عن شعبنا، لاسيما مع وجود حكومة أصبح يتضح جليا أنها حكومة لا شعبية، نظرا لمجموع سياساتها اللاشعبية، والتي أثرت بالسلب على أوضاع بلدنا الاقتصادية والاجتماعية.
تأهيل أدوار القطاع الطلابي الاتحادي:
الأكيد أن التعليم وخصوصا التعليم الجامعي، يعتبر رافعة أساسية في مسار إحقاق الديمقراطية، حيث لا يمكن نجاح أي نموذج ديمقراطي لأي بلد، في ظل تردي أوضاع المؤسسات الجامعية فيه، والمؤكد أن الجامعة المغربية لا تزال تتخبط في العديد من المشاكل منذ فجر الاستقلال. فبالرغم من مسلسل الإصلاح الطويل جدا، والذي هدف إلى تطوير أوضاع الجامعة المغربية، إلا أن المؤشرات والأرقام والإحصائيات الوطنية والدولية، تخبر بأن الجامعة المغربية تتذيل ترتيب الجامعات في العالم.
إن مشاكل الجامعة المغربية عديدة وكثيرة، تتنوع بين قلة الموارد المالية المرصودة لتأهيل أدوارها، مما ينعكس على جودة البحث العلمي فيها، وهشاشة بنياتها التحتية مما يؤثر على قدرة استقطابها، لكن يمكننا التأكيد وبكل مسؤولية، أن أكبر المشاكل التي تتخبط فيها جامعاتنا، هو سن سياسات وبرامج إصلاحية، لا تنطلق من فهم موضوعي للواقع المغربي العام، حيث لا يمكن الرهان على تحسين أوضاع الجامعات المغربية، من دون تحسين الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية بالبلد، إذ أن تأهيل الجامعات المغربية يجب أن يكون محكوما بخلفية تأهيل النموذج الديمقراطي المغربي.
وهذا ما غاب عن جميع السياسات الإصلاحية التي استهدفت النهوض بأوضاع الجامعة المغربية، حتى بدا الأمر وكأنه صورة بشعة من صور الارتجال، الذي كانت أخر حلقاته التخلي عن إصلاح بيداغوجي مضمونه نظام الباكالوريوس، والذي تم عرضه كتفعيل لرؤية القانون الإطار للتربية والتكوين، وتعويضه بإصلاح بيداغوجي جديد ابتداء من سنة 2023، كتفعيل جديد لنفس الرؤية يستدرك التفعيل الأول.
إن اختزال أزمة الجامعة المغربية، في أزمة تربوية واجتماعية عنوانها ماهية وطبيعة الأدوار التي تؤديها الجامعة في الحياة الاجتماعية والاقتصادية، هو ما يؤثر في نجاعة هذه الإصلاحات، التي يجب أن تكون منطلقة من فهم واقعي للواقع المغربي العام، ومؤسسة على عملية إنضاج حقيقية للنقاش حول واقع وآفاق التعليم العالي بالمغرب، يشارك فيها مختلف الفاعلين والمتدخلين والشركاء في التعليم العالي.
ومن جهة أخرى، فإن الجامعة المغربية لم تعتد تحتفظ بمكانتها السابقة، كحقل طبيعي للنقاش العلمي والأكاديمي فقط، بل فقدت حتى أدوارها التي ارتبطت بوجودها تاريخيا، كقاطرة للنقاش الفكري، وكمشتل لإنتاج النخب المغربية الحاملة لهم بناء مغرب ديمقراطي حداثي ترتكز ثقافته على حقوق الإنسان.
وهو الواقع الذي انعكس بالسلب على الحركة الطلابية بالمغرب، وعلى الخصوص الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، باعتباره التنظيم الذي ميز مسار الحركة الطلابية المغربية منذ نشأتها، والذي كان القطاع الطلابي الاتحادي، أو الطلبة الاتحاديين كما كانت تسميهم باقي مكونات الحركة الطلابية، أحد أهم مكوانته، حيث ارتبط وجود «الطلبة الاتحاديين» من داخل الجامعة المغربية، بالنضال لأجل شيوع قيم ومبادئ الديمقراطية، وهو النضال الذي ميزهم طيلة المسار الذي عرفته «أوطم»، سواء عندما كانوا في طليعة الحاملين لهمّ الدفاع عن مصالح الطلبة قبل فشل المؤتمر 17، أو بعده عندما قادوا مبادرة الحوار الفصائلي، التي كان مضمونها البحث عن قاعدة توافقية تجتمع حولها كل مكونات «أوطم»، وغايتها تصحيح أوضاع هذه المنظمة والدفع في اتجاه رفع الحظر عنها، أو حتى عندما أعلنوا عن مبادرة الحوار الطلابي، الذي طمح إلى جعل مصالح وانتظارات الطلبة أساس أي عمل طلابي، وهي المبادرة التي ووجهت بكل الطرق والأساليب حتى العنيفة منها، بغاية جعل «أوطم» واجهة لتصريف خصومات سياسية لإطارات سياسية معينة.
لكن وجب الاعتراف وبكل مسؤولية، أن فشل هذه المبادرات وخصوصا مبادرة الحوار الطلابي، لم يكن نتاجا فقط لشروط موضوعية، أهمها مواجهتها من طرف مجموعة من الفصائل التي رأت فيها تهديدا لمصالحها ولحضورها من داخل الجامعة المغربية، بل كانت نتاجا لشروط ذاتية، أولها انخراطنا في مجموعة من التكتيكات الخاطئة، التي كانت جلها محكومة بحسابات حزبية داخلية، كتنظيم الجامعة الربيعية للطلبة الاتحاديين سنة 1996، حيث وجد «الطلبة الاتحاديين» أنفسهم في مواجهات مفتوحة مع بعض الفصائل الطلابية في جل الجامعات المغربية، مما هدد استمرارهم كفصيل طلابي، لولا صمودهم واعتقادهم في ضرورة مواصلة المهام المطروحة عليهم، لكن الواقع يثبت أن هذه التكتيكات غير المحسوبة سياسيا، قد أثرت بشكل كبير على حجم وطبيعة الحضور النضالي «للطلبة الاتحاديين»، وهو ما نتج عنه انكماش نضالي لافت للقطاع الطلابي الاتحادي باعتباره تنظيما يحتويهم.
هذا الوضع أصبح يفرض علينا اليوم، أن نفكر في أشكال جديدة للعمل الطلابي، ينخرط فيها ويقودها القطاع الطلابي الاتحادي، أشكال عنوانها العمل على شيوع قيم الديمقراطية والحداثة داخل الجامعات المغربية، وإلا لا داعي لتواجدنا فيها، ومضمونها ابتكار أساليب نضالية جديدة، واقتحام كل المجالات التي يمكن أن تضمن حضورنا، وهو ما سيكون مطروحا للنقاش على مناضلات ومناضلي الشبيبة الاتحادية وخصوصا الطلبة منهم بدرجة أولى، وبدرجة ثانية كل مناضلات الشبيبة التعليمية، وما يستوجب كمدخل لاحتواء هذا النقاش،الانخراط الجاد، ومباشرة بعد المؤتمر الوطني التاسع للشبيبة الاتحادية، في التأسيس لـ « منظمة الطلبة الاتحاديين»، كمنظمة منضوية داخل الشبيبة الاتحادية، تضطلع بمهام النضال من داخل الجامعة المغربية، سواء من أجل الدفاع عن مصالح الطلبة، أو من أجل الدفع في تأهيل أوضاع الجامعة المغربية.
العمل الجمعوي كواجهة
نضالية أساسية:
إن ظاهرة العمل الجمعوي بالمغرب هي ظاهرة جديدة، ارتبط وجودها بقيام الدولة العصرية، وقد عرفت مسارا مهما من التطورات والتغيرات، هذا المسار الذي تأثر كما أثر بصورة مباشرة في تطور الظاهرة الحزبية وطبيعة اللعبة السياسية بالمغرب، ونظرا لأن حزبنا كان فاعلا أساسيا في المشهد السياسي بعد الاستقلال، فقد كان له دور كبير في التأسيس للفعل الجمعوي بالمغرب، عموما يمكن التمييز في مسار تطور العمل الجمعوي بالبلد بين ثلاثة مراحل أساسية:
المرحلة الأولى: ترسيخ قيم
النضال والتطوع
تعود بوادر بروز معالم العمل الجمعوي بالمغرب إلى مرحلة ما قبل الاستقلال، حيث وجدت الحركة الوطنية نفسها ملزمة لمواجهة السياسات الاستعمارية، التي كانت تعمل على ترسيخ قيم وثقافة الخنوع والخضوع داخل المجتمع المغربي، على تعزيز حضورها أكثر داخل الأوساط المجتمعية، من خلال ضمان تواجدها في مجموعة من الإطارات كالأندية الثقافية والرياضة والمسرحية.. إلخ.
ومباشرة بعد حصول المغرب على استقلاله، انخرط رواد الحركة الوطنية في بناء المغرب الجديد، الذي لم تكن غايته غير تصفية تركة الاستعمار وتوحيد أبناء هذا الشعب، وهي الغاية التي عملوا من أجل تحقيقها، على الترويج لمجموعة من القيم التي تؤسس لها، كالإيخاء والتطوع، حيث يسجل التاريخ وقوف الشهيد المهدي بنبركة وراء نجاح أول ورش مغربي يتأسس على فكرة التطوع، وهو ورش تشييد طريق الوحدة بسواعد شابات وشباب مغربي متطوع، والذي أراده روادنا طريقا يجمع شمال المغرب بجنوبه.
المرحلة الثانية: العمل التربوي والحقوقي
عرفت هذه المرحلة، تأسيس العديد من الجمعيات التي تعنى بشؤون الشباب والطفولة، والتي تشتغل على غرس مجموعة من القيم التي تؤسس لبناء مغرب عصري، كما تم تأسيس مجموعة من الجمعيات الحقوقية، التي تشتغل في مجال شيوع القيم الكونية وفي رصد الخروقات التي يمكن أن تطال حقوق المغاربة، في صراعهم من أجل بناء الدولة الوطنية الديمقراطية، وهو ما تمت مواجهته سواء بقمع الناشطين في هذه الجمعيات، أو بسن قوانين تضيق حرية اشتغالها ومبادراتها.
المرحلة الثالثة : جمعيات
في خدمة التنمية
مع المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، عرف المغرب تأسيس العديد من الجمعيات التي أعلنت اهتمامها بمجال التنمية، حيث استفادت من تمويلات عديدة لمشاريع ضمن هذه المبادرة.
وإذا كانت المبادرة الوطنية للتنمية المحلية، قد أعطت نفسا جديدا للعمل الجمعوي بالمغرب، من خلال إشراك جمعيات المجتمع المدني في المشاريع التنموية المحلية والوطنية، مما انعكس على واقع العمل الجمعوي بالمغرب كما وكيفا، فهي وبطريقة غير مباشرة أدت إلى بروز جمعيات «صفراء» لا مكان فيها للقيم المؤسسة للعمل الجمعوي، وخصوصا قيمة التطوع، ومع انتشار هذا النوع من الجمعيات، لاسيما بعد تعدد مصادر تمويل المشاريع المدنية، ومع انتشار الممولين الأجانب، يمكن القول أن العمل الجمعوي بالمغرب قد فقد جوهره بعد تغييب مبادئه، هذا بالإضافة إلى معاناته في مواجهة استمرار مجموعة من الإشكالات التي تعيق تطوره، كالتضييق على حرية الجمعيات والمساس باستقلاليتها، وكوجود بيئة تشريعية وتنظيمية غير ملائمة لحرية العمل الجمعوي.
إن قراءة مسار تطور العمل الجمعوي بالمغرب، يوضح بجلاء أنه كان دائما رديفا للعمل السياسي الملتزم، وبأن هناك ترابطا جدليا بين العمل الجمعوي والعمل السياسي، فكان من الضروري أن يتأثر واقع العمل الجمعوي بواقع العمل السياسي والمشهد السياسي المغربي، ونظرا للمهام المطروحة أمامنا كشبيبة اتحادية، والتي يأتي على رأسها النضال من أجل بناء المغرب الذي نريد، وعلى اعتبار أن الواجهة الجمعوية، من بين أهم الواجهات النضالية التي اشتغلت عليها الشبيبة الاتحادية تاريخيا، فإننا نجد أنفسنا مطالبين اليوم، بل مسؤولين على إعادة الاعتبار إلى مجموعة من القيم التي أصبحت غائبة عن المشهد الجمعوي بالبلد، وهو ما لا يمكننا تحقيقه، إلا بالانخراط المسؤول في أكبر عدد من الجمعيات، خصوصا الجمعيات التي ارتبط وجودها بنا كشبيبة اتحادية، وبتأسيس جمعيات جديدة، تشتغل على القضايا ذات أهمية أنية ومستقبلية، كقضايا البيئة والهجرة مثلا.
إن اهتمامنا الزائد بالمجال الجمعوي، واقتحامنا المدروس لهكواجهة نضالية، سيخدم أكثر مشروع الدمقرطة والتحديث الذي ننشد، ذلك لأنه سيتيح أمامنا هوامش كبيرة للتفكير والإبداع بعيدا عن القيود التي تفرضها باقي المجالات التي تضم تنظيمات ومؤسسات تقليدية، وكذلك لكونه يطلع بأدوار طلائية في عملية بناء الدولة الحديثة التي نريد.
تعليقات الزوار ( 0 )