كلمة الكاتب الأول
الأستاذ ادريس لشكر
في اجتماع المجلس الوطني للحزب
الدورة II
السبت 28 يناير 2023
الأخ رئيس المجلس الوطني،
الأخوات، الإخوة أعضاء المجلس الوطني
إننا نعقد دورتنا الحالية لمجلسنا الوطني في سياق دولي وإقليمي متحول باستمرار ومطبوع باللايقين، وفي سياق وطني يميزه تماسك الجبهة الداخلية ومواصلة المغرب لمسار تعزيز المكتسبات السياسية والتنموية. وفي السياقين معا، استطاعت بلادنا مراكمة المكتسبات المحققة لفائدة مغربية الصحراء على الرغم من تصاعد مد المؤامرات والمناورات التي تستهدف مصالحنا الوطنية.
ولعل آخر مناورة هي الموقف المناوئ الذي صدر عن البرلمان الأوروبي، والذي يعكس في واقع الأمر انزعاج العديد من الأطراف من موقع الندية الذي أصبحت تحتله بلادنا في تعاملها مع مختلف الشركاء. هذا الانزعاج هو الذي جعل العديد من الأطراف الأوروبية، وفي مقدمتها فرنسا، عاجزة عن استيعاب مشروعنا التنموي ونموذجنا الديمقراطي وتجربتنا الحقوقية. وقد كانت هذه الأطراف، إلى الأمس القريب، تشيد بما حققته بلادنا وتعتبره نموذجا وخطوات إيجابية، قبل أن يسقط عنها القناع.
لذلك، صمدت بلادنا بفضل التدبير الجيد والحاسم للنزاع لجلالة الملك، التي جعلت ملف الصحراء بمثابة النظارة التي ينظر بها المغرب إلى العالم، ومعيار قياس نبل الصداقات ونجاعة الشراكات (الخطاب الملكي في ذكرى ثورة الملك والشعب – السبت 20 غشت 2022.). الأمر الذي أدى إلى سيادة حكمة العقل لدى العديد من الشركاء التقليديين وتغيير مواقفهم اتجاه الصحراء المغربية، وعلى رأسهم بريطانيا وألمانيا وإسبانيا.
ولا يسعنا، في هذا الصدد، إلا أن نثمن ما حققته بلادنا من انتصارات متوالية على الأصعدة السياسية والدبلوماسية والميدانية لفائدة قضية وحدتنا الترابية، خاصة منذ الاعتراف الأمريكي بالسيادة الشاملة للمغرب على أقاليمه الصحراوية. وندعو إلى اليقظة المستمرة، في المنتظم الدولي والاتحاد الإفريقي والمحيط الإقليمي، لترسيخ الموقف الدولي الذي يؤكد على محورية العملية السياسية، وضرورة مشاركة الجميع فيها، بما في ذلك الجزائر، من أجل تسوية نهائية وفق مبادرة الحكم الذاتي في إطار السيادة المغربية.
ولا يسعنا أيضا إلا الاعتزاز بالتوهج المغربي الذي أبهر العالم خلال كأس العالم، والذي يعتبر عنوانا بارزا لتلاحم الأمة المغربية، نساء ورجالا، شيوخا وشبابا، في الدفاع عن العلم الوطني.
وسنظل، في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية في طليعة المدافعين عن هذا التوهج المغربي، أوفياء لمبادئنا المنتصرة لأولوية الوطن، مستحضرين مواقف قياداتنا التي عبر عنها المرحوم عبد الرحيم بوعبيد والشهيد عمر بنجلون في سنوات الضيق، ولن نسمح لأي كان باستغلال قضايانا الداخلية للإضرار بمصالحنا الوطنية.
الأخوات والإخوة،
نجتمع اليوم في الدورة الثانية لمجلسنا الوطني على بعد سنة من المؤتمر الوطني الحادي عشر، فبتاريخ 28-29 و30 يناير 2022، عقد حزبنا مؤتمره الوطني الحادي عشر، وكان مؤتمرا ناجحا بجميع المقاييس السياسية والتنظيمية، وتأكد للجميع من خلال وثائق المؤتمر والبيان العام الصادر عنه أن الحزب لم يبدع في المجال السياسي والتنظيمي فقط، ولكنه أبدع أيضا في عقد مؤتمر عادي في ظروف استثنائية. وربح الاتحاديون والاتحاديات رهان عقد المؤتمر وفق أفضل الأساليب الرقمية، بل إنه أعطى درسا للتنظيمات الحزبية والنقابية والجمعوية الراغبة في عقد اجتماعاتها وتجمعاتها في ظروف جيدة.
لقد زرع نجاح المؤتمر الوطني الحادي عشر، نفسا جديدا في حزب الاتحاد الاشتراكي، نفسا قويا ومنتجا، وما بعده يؤكد ذلك: حضور سياسي قوي في المؤسسات (البرلمان بغرفتيه)، حضور فاعل في المجتمع، حضور سياسي ديبلوماسي وازن دفاعا عن وحدتنا الترابية، فوز ساحق في الانتخابات التشريعية الجزئية (مقعد بمجلس النواب في الحسيمة، مقعد بالدريوش، مقعد بجرسيف…)، وتخلل ذلك عقد المؤتمر الوطني التاسع للشبيبة الاتحادية، وعقد المؤتمر الوطني الثامن للنساء الاتحاديات.
فبتاريخ 27-28 و29 شتنبر 2022 ربحت الشبيبة الاتحادية عقد مؤتمرها التاسع، وكان مؤتمرا ناجحا بإبداع سياسي وتنظيمي. ونغتنم هذه المناسبة لتوجيه التحية لكل الشباب والشابات، مناضلون ومناضلات على حرصهم على حماية منظمتهم الشبيبية.
إن حزب الاتحاد الاشتراكي من بين الأحزاب القليلة جدا، التي تعرف تجديدا لنخبها ، وقياداتها، عبر التدرج في الأجهزة الحزبية ، التي هي بمثابة حاضنات لصناعة القيادات والنخب، ليس للحزب فقط، ولكن للوطن أولا وأخيرا.
كما أنه بتاريخ 6-7 و8 أكتوبر 2022 عقدت النساء الاتحاديات، المؤتمر الوطني الثامن للنساء الاتحاديات، وكان مؤتمرا ناجحا باستحقاق نضالي وتميز ديموقراطي، ولم يكن مجرد لحظة تاريخية فقط، بل إنه سيرورة راكمها الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بخصوص قضايا النساء، والمتمثل في الشعار الذي اختاره والذي يعكس تطلعات النساء الاتحاديات لمغرب حداثي معاصر، تكون فيه المرأة في صلب العملية التنموية بمختلف أبعادها التنموية.
فتحية للنساء الاتحاديات وهنيئا لهن على نجاح مؤتمرهن .
وهي مناسبة نؤكد دعمنا الكامل للسيرورة الترافعية لنساء الحزب اللاتي يتصدرن حاليا مشهد الفعل النسائي في معركتي تحيين وتجديد مدونة الأسرة، ومكافحة العنف ضد النساء ، خصوصا العنف الرقمي.
وبالتزامن مع هذه المحطات، واصل حزبنا مسيرته التنظيمية: بهيكلة مجالية همت الجهات وقطاعية همت قطاع المحاماة، الذي اجتمع مع الفريق الاشتراكي بمجلس المستشارين في عقد يوم دراسي حول مهنة المحاماة، وقطاع التعليم العالي وباقي التنظيمات المهنية.
وهكذا تابع الرأي العام هيكلة مجموعة من الكتابات الجهوية بروح اتحادية نضالية راقية، روح التوافق والتراضي، التي أنجحت المؤتمر الوطني الحادي عشر؛ فتمت هيكلة مجموعة من الجهات بجدية ومسؤولية، وبوعي وحكمة. وهكذا أكد الاتحاد الاشتراكي، مرة أخرى، أنه ليس حزبا مناسباتيا، وليس حزبا ينبعث أو يُبعث في موسم الانتخابات.
وتفعيلا للدينامية التنظيمية والسياسية التي انخرط فيها حزبنا، نرومُ جعل هذه السنة – 2023 – سنة المؤتمرات الإقليمية، لأن اعداد انتخابات 2026 يجب أن ينطلق بالحسم في التنظيمات خلال هذه السنة ويحتاج الى وسائط القرب.
إن الدينامية التنظيمية الحزبية التي أعطينا انطلاقتها من طنجة يوم 7 يناير تتضمن وعيا تنظيميا جديدا ومؤشرات لرؤية سياسية جديدة… وتتسم بالجرأة العالية في إعمال آلية النقد الذاتي، والمنهجية الواضحة في رصد مكامن الخلل داخل الجسم الحزبي وفي رسم معالم الطريق للانفتاح على المواطنين، إنها خلاصة لتجربة واستشراف لوعي؛ ومن ملامح هذا الوعي الجديد، اعتماد مقاربة جديدة في بناء الحزب، توسيع دائرة الانخراط النوعي، تجديد العلاقة مع المجتمع، ابداع أساليب جديدة للتواصل مع المواطنين وتوسيع المشاركة السياسية …من هنا تروم هذه الدينامية الحزبية الجديدة ، على المستوى التنظيمي والسياسي تحقيق أهداف رئيسة:
• الوعي التنظيمي الجديد ؛
• التحضير لانتخابات 2026، اليوم وليس غدا ؛
• -تقوية وسائط القرب؛
• العودة القوية الى المجتمع، ونقترح فيها عقد الملتقى الوطني للعمل الجمعوي لمناضلي ومناضلات الحزب في الواجهة الجمعوية.
• تعزيز التموقع في المؤسسات، ونقترح عقد الجمعية الوصية للمستشارين الجماعيين والجمعية الوطنية للمهنيين نقترح شهر مارس القادم.
لا خوف من الانفتاح، فالخوف الحقيقي من الجمود والانغلاق لأن الحزب الذي لا ينمي نفسه، كما وكيفا، محكوم عليه بالانكماش ثم الانقراض، فالحزب لا يمكن أن يشتغل بالموروث، حتى ولو كان هذا الموروث بشريا، وليبقى هذا الموروث حيا يجب أن يستمر في الأجيال اللاحقة…مناضل الأمس ليس هو مناضل اليوم وقطعا لن يكون مناضل الغد…فلم يعد مسموحا لأي حزب أن يؤطر المجتمع وأن يشارك في تشكيل المؤسسات اذا لم يكن حزبا كبيرا مفتوحا، منفتحا، ومستعدا لاستقبال كل المواطنين الذين يعبرون عن اقتناعهم بمبادئه والتزامهم بخطه وارادتهم في الفعل المشترك…
إن الحزب الذي لا يستطيع أن يتجدد بشكل كمي وكيفي واسع، محكوم عليه بالفناء، من هنا وجب زرع دم وروح جديدين في الاتحاد الاشتراكي باستقباله لمناضلين جدد، ونعتبره استقبالا لفعاليات جديدة وأفكار جديدة.
إن الانفتاح على الكفاءات والفعاليات داخل المجتمع يستدعي قبل كل شيء القطع مع أساليب الانغلاق…إن الاتحاد الاشتراكي ليس بنية منغلقة، ليس أجهزة يتربع عليها زعماء احترفوا السياسة، إن الاتحاد الاشتراكي بيت مفتوح وحق مشاع لكل المغاربة المؤمنين بقيم الديموقراطية والحداثة والعدالة الاجتماعية….
وفيما يتعلق بالتجديد التنظيمي، فإننا نطمح من خلاله إلى تفعيل خارطة الطريق التنظيمية، بخصوص إعادة هيكلة لأجهزة الحزب التسييرية في الفروع والأقاليم، فأنتم تعلمون أن الجهاز الحزبي له أهميته في تنشيط الحياة الحزبية، وتدبير الشؤون المحلية، وفي التخطيط للمعارك الانتخابية وتأطير الأنشطة المؤسساتية والنضالات الجماهيرية في الميدان، لذلك يتعين الحرص على أن تكون هذه الأجهزة تتمتع بكامل صلاحياتها الوظيفية وقدراتها التدبيرية وكفاءاتها القيادية، وهو ما يتطلب ليس فقط الاقتصار على عقد مجالس ومؤتمرات للترميم والتطعيم واعادة توزيع المهام، وبعده الجمود والانغلاق، وإنما يتطلب الأمر بالضرورة قدرا من الانفتاح والتجديد والتشبيب، حسب الإمكانيات والسياقات المحلية.
على أننا لا يمكن أن نذهب الى المؤتمرات الإقليمية، بدون تصورات مستقبلية والتزامات واضحة ودقيقة، بخصوص توسع التنظيم وإنماء العضوية، لا بد أن تنتخبوا في فروعكم وأقاليمكم أجهزة قيادية تلتزم معكم على برامج وتعاقد مع قواعدها على مخططات بشأن انفتاح التنظيم وتوسيع قاعدته وتنويع قطاعاته وتنمية عضويته.
لقد أكد الاتحاد الاشتراكي أن من يستند على مرجعية تاريخية هو حزب سيجد بالضرورة في المستقبل مكانا له بين من سيصنعون المغرب القادم، وأن من صنع من عدم سيظل رهين ذلك العدم غير قادر على تقديم أي إضافة لوطنه. لقد سجل حزينا قدرته على البقاء كبيرا في المشهد الحزبي المغربي رغم الضربات الكثيرة والعديدة التي القاها من خصومه، وتأكد ذلك ميدانيا في محطة 8 شتنبر 2021 من خلال كونه قوة سياسية أساسية وضرورة حزبية في بلدنا، ورقم وازن في أجندة المغرب، وفي الانتخابات الجزئية الأخيرة ازدادت الأمور وضوحا وتأكيدا؛
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية قد وجه رسالة مفادها أن التغيير لم يعد مقبولا أن يظل مجرد شعار انتخابي، بل ينبغي ترجمته على أرض الواقع، في شكل برامج ومشاريع وافكار خلاقة، تعيد الاعتبار الى المواطن، وتشعره أن صوته ذهب في الاتجاه الصحيح.
وقد أصبح اتجاه الخط السياسي الذي يحكم اليوم فعل ونضال الاتحاد الاشتراكي يرتكز على أن الاتحاد الاشتراكي الوفي لتاريخه الوطني، المتشبع بهويته التقدمية، المستند إلى جذوره الاجتماعية – الشعبية، ليشكل في عالم اليوم قوة سياسية، حداثية، تنخرط بوعي ومسؤولية في المساهمة في صنع مستقبل البلاد، عبر مراهنتها المتبصرة، السياسية والتنظيمية، على دور الشباب، والمرأة، ودور الأطر الوطنية والقوى المنتجة في البلاد في استيعاب، التحولات الإنتاجية الجارية، وإدماج الثورات التكنولوجية المتواصلة.
وفي سياق هذا التوجه التقدمي، التنموي المندمج، تصبح مسائل التكوين، والاستثمار في الرأسمال البشري، والانفتاح المضبوط على المحيط الجيو-سياسي، قضايا مركزية في عالم، بات معولما تواجهه نفس الإشكاليات، وتوحده ذات المشاكل، سواء تعلق الأمر بالعلاقات الجديدة بين العمل والسوق، أو بين التنمية والبيئة، أو بين المحلي والخارجي في مجال ضبط الهجرة، والتعايش الإيجابي، المنضبط مع ابتكارات الذكاء الاصطناعي وغيرها من التحولات الإيجابية…
إن الاتحاد الاشتراكي أداة إصلاح وتغيير في الحاضر ومناط تطوير وتحديث في المستقبل، وإن قدراته السياسية والفكرية على التكيف والرؤية البعيدة، ومؤهلاته النضالية والميدانية، تجعل منه قوة فاعلة في حاضر البلاد ومستقبلها، بنفس درجة ما كان يقوم به في الماضي البعيد والقريب.
الأخوات والإخوة،
لقد كان تصورنا واضحا بخصوص الشق الوطني المتعلق باستكمال وحدتنا الترابية والوطنية، حيث أصبح ذلك من أولويات اهتمامنا، متماسكين فيها ومؤيدين لكل المبادرات الملكية بهذا الخصوص، وبنفس الإرادة والعزيمة كنا في طليعة المدافعين عن المسار الحقوقي والديمقراطي الذي تعيشه بلادنا حاليا.
إن المغرب، ومن خلال جيل التحرير وجيل الوحدة، قدم تضحيات جساما من أجل وحدته الترابية وإفشال كل المناورات التي حيكت وتحاك ضده من قبل الخصوم. ومن هنا وعلى نفس الدرب الذي ورثناه عن قادتنا التاريخيين كانت المشاركة المتميزة والمثمرة لحزبنا في المؤتمر الأخير للأممية الاشتراكية الذي انعقد بالجارة الشمالية ” اسبانيا ” ، وهي مشاركة تعكس وعي الحزب بأهمية الديبلوماسية الموازية ، وكذا تعكس قوة حضوره ومتانة علاقاته الخارجية التي تترجم الاحترام الذي يحظى به الحزب في المنتديات الحزبية الدولية ، وخصوصا ذات المرجعية الاشتراكية الديموقراطية .
إن نجاح الحزب في الحصول على مقعد نائبة الرئيس في الجهاز التنفيذي الأول لمنظمة الأممية الاشتراكية ممثلا لقارتنا الافريقية ، ومساهمته المقدرة في التصويت لصالح صديق المغرب السيد بيدرو سانشيز رئيس وزراء المملكة الإسبانية رئيسا للمنظمة ، هو دليل على الموقع الذي يحتله الحزب ضمن منظومة الأحزاب الاشتراكية الافريقية ، مما مكنه من محاصرة الصوت الانفصالي الذي تزداد عزلته داخل المنظمة دورة بعد أخرى، وكذا دليل على مكانته الاعتبارية وسط مختلف الطيف الاشتراكي الديموقراطي ، مما أهله للدفاع عن المصالح الوطنية ، وعلى رأسها قضية الوحدة الترابية .الموازية
إن الديبلوماسية الموازية مهمة جوهرية بالنسبة للحزب ، يمارسها الاتحاد الاشتراكي من خلال واجهة المنظمات الدولية والجهوية والإقليمية والأممية الاشتراكية والأممية الاشتراكية للنساء ، والاتحاد العالمي للشباب ، بالإضافة إلى ربط علاقات ثنائية مع الأحزاب القريبة ايديولوجيا من حزبنا .
إن من أولى الأولويات عندنا، هي تعبئة كل مواردنا البشرية والتنظيمية والإعلامية التي نتوفر عليها في حزبنا ، من أجل أن نكون رواد وطليعة الدبلوماسية الموازية ، وأن نستثمر كل علاقاتنا الخارجية ونبني أخرى ، من أجل أن نكون جزء متينا من جدار صد مناورات خصوم وحدتنا الترابية.
الأخوات والإخوة،
إن الحكومة اليوم مطالبة بتفعيل وأجرأة ما جاء في الخطابات السامية الملكية ، وفي مقدمة ذلك مشروع الحماية الاجتماعية ، هذا الملف الذي دافع حزب القوات الشعبية منذ سنوات ، وظل حاضرا في أجندته السياسية ، باعتبار أن المسألة الاجتماعية إحدى مرتكزات الفكر الاشتراكي الديموقراطي والمدافع عنها لإقرار العدالة الاجتماعية والإنصاف داخل الفئات الاجتماعية المغربية . وإن الحكومة الحالية مدعوة إلى الانكباب على أجرأة وتفعيل كل القرارات التي جاء بها المشروع الملكي الكبير. والحماية الاجتماعية التي اعتبرها حزب الاتحاد الاشتراكي وقتها بمثابة ثورة هادئة ستمكن المغاربة من الحماية الاجتماعية والتغطية الصحية الشاملة والتعويضات العائلية، لذلك بات من الضروري استعجال إخراج السجل الاجتماعي كإجراء أساسي مصاحب لتنفيذ هذا المشروع الضخم.
إن الاتحاد الاشتراكي ، وبالرغم من تواجده في موقع المعارضة ، سيكون حريصا على لعب أدواره الرقابية المتمثلة في المواكبة والتتبع والنقد البناء والتصحيح من أجل ضمان تفعيل وتنزيل مشروع النموذج التنموي الجديد والمشروع الملكي للحماية الاجتماعية، كما أنه سيقوم بمهامه السياسية والتأطيرية من خلال هياكله وأجهزته المحلية والجهوية والوطنية ، وفريقيه الاشتراكيين بمجلسي النواب والمستشارين من خلال ممارسة مهامهم الرقابية والتشريعية في الغرفتين؛ وكذا من خلال إعلامه دعما للحركة المدنية والاجتماعية.
إن المغرب لا يمكن أن يحقق التنمية الشاملة المنشودة والتطور المطلوب، الذي سيكون في مستوى تطلعات الشعب المغربي، دون مضاعفة المجهودات لتجويد التعليم والتربية والتكوين والصحة والسكن، كقطاعات اجتماعية أساسية تحفظ كرامة المواطن المغربي والاهتمام بالموارد البشرية والنهوض بها.
و بخصوص الحوار الاجتماعي ، نؤكد على ضرورة مأسسة الحوار المركزي بين الحكومة والمركزيات النقابية والكونفدرالية العامة لمقاولات المغرب. ونسجل، في نفس الوقت، على هذا المستوى، أنه لا حوار اجتماعي بدون حوار جدي ومسؤول ومنتج ومؤسس على قواعد قانونية، بحكم أن الحوار وسيلة من أجل الوصول إلى نتائج مرضية ومتوافق عليها وتضمن سلامة اجتماعية ، خاصة وبلادنا مقبلة على تنزيل نموذج تنموي جديد يحتاج لكل ذلك.
أما على مستوى الحوار الاجتماعي الذي تم بين الحكومة ومجموعة من الفرقاء الاجتماعيين، فإن المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي يسجل بارتياح الاتفاقين الذين أُبرما بين الحكومة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية. وهكذا فقد شكل اتفاق 20 أكتوبر 2022 بين الحكومة والنقابة الوطنية للتعليم العالي تتويجا للنضال المستمر العقلاني والحازم من اجل تحقيق التطلعات المشروعة للأساتذة الباحثين كجزء من ورش الإصلاح الشامل لمنظومة التعليم العالي والبحث العلمي. كما شكل اتفاق 14 يناير الجاري بين الحكومة والنقابات التعليمية الأكثر تمثيلية في مجال التعليم المدرسي محطة مهمة على درب الإنقاذ الذي يستدعيه واقع التعليم ببلادنا، نتمنى صادقين في الاتحاد الاشتراكي، الحامل لهم الإصلاح الحقيقي، والعامل على الدفع لما يخدم مصلحة البلاد، بعيدا عن أي تدافع سياسوي، أن تتحلى الحكومة بما يلزم من جدية ومصداقية من أجل الالتزام بالاتفاقات المبرمة، وتعمل بالسرعة المطلوبة على أجرأة ما تم الاتفاق حوله، محذرين من مغبة الانسياق نحو الحلول السهلة والاكتفاء بالإعلانات المصورة، لما قد يشكله أي تراجع من خطر بث اليأس في النفوس وضرب الثقة في العمل التشاركي والحوار الاجتماعي، ويهدد بارتفاع نسبة التوتر والاحتقان في المجتمع؛ ولا بد أن ننوه بترأس أخينا الحبيب المالكي للمجلس الأعلى للتربية والتكوين مهنئا لكافة أعضائه متأكدين أنه يشكل دعامة حقيقية لإصلاح منضومة التربية والتكوين
الأخوات والإخوة،
** يعيش الاقتصاد المغربي على إيقاع الانتعاش المتواضع للاقتصاد العالمي، وتبعات الخروج من أزمة كورونا وما راكمته من خسائر جسيمة على مختلف القطاعات الاقتصادية الوطنية، تتطلب سنوات طويلة للتعافي، بالإضافة إلى تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، وما نتج عنها من اختلالات كبيرة في سلاسل الإنتاج والتوريد العالمية، والارتفاع الصاروخي لأسعار الطاقة والمواد الغذائية ووصول معدل التضخم إلى مستويات قياسية لم يسبق أن شهدها العالم، حيث تجاوزت هذه النسبة في المغرب 6.6% في نهاية 2022.
كما يواجه المغرب صدمات داخلية متعددة، على رأسها الجفاف، وندرة المياه، وضعف الإنتاج الوطني من الحبوب الذي لم يتجاوز في سنة 2022 3.4% مليون طن بانخفاض قدره 67%، وتأثير ذلك على نمو الناتج الداخلي الخام، بالإضافة إلى استمرار عدة اختلالات مثل الريع الاحتكار والمضاربات، التي زادت من استفحال هذه الأزمة وآثارها المؤلمة على الشعب المغربي.
كما يتعرض الاقتصاد المغربي إلى التأثيرات المباشرة للركود الاقتصادي الذي باتت تعاني منه منطقة اليورو، باعتبار دولها الشريك الاقتصادي الأول للمملكة، حيث سجلت كل دول هذه المنطقة نتائج نمو سلبية، حدث من نمو الطلب الخارجي للمغرب واستفحال عجز الميزان التجاري الذي ارتفع بنسبة 56% سنة 2022، والانعكاسات المباشرة لذلك على الوضع الاقتصادي الداخلي وضعف النمو، حيث لم يتجاوز سنة 2022 نسبة 1%، ما أثر بشكل واضح على التشغيل وخلق فرص الشغل، وابقى نسبة البطالة في مستوياتها المرتفعة.
** من المؤكد أن هناك تفاؤل موجه إلى سنة 2023 لكي تحمل تخفيفا للتوترات الجيوسياسية، وخاصة الحرب الروسية الأوكرانية، مع استقرار أسعار الطاقة وانخفاض أسعار المواد الغذائية وارتفاع الإنتاج الوطني من الحبوب، لكن كل هذه التوقعات الاقتصادية تبقى رهينة حالة اللايقين الاقتصادي والسياسي، في ظل استمرار حالة الارتباك الاقتصادي العالمي، وتواصل حالة الركود التي من المؤكد أنها ستطول داخل دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك في ظل التساقطات المطرية غير المطمئنة والبعيدة عن المستوى الاعتيادي في المغرب، مما يصعب تحقق هذه التوقعات، ويُبقي حالة الخطر الاقتصادي قائمة، ويزيد من غموض الوضعية الاقتصادية المغربية، خاصة في ظل تضارب أرقام التوقعات الاقتصادية بين مختلف المؤسسات الوطنية والدولية، حيث تفيد توقعات صندوق النقد الدولي بتحقيق نمو اقتصادي ب3.1% و4.5% وفق توقعات وزارة الاقتصاد والمالية، و3.3% بالنسبة للمندوبية السامية للتخطيط، وفي ظل كذلك استمرار الضغط التضخمي، الذي من المفروض أن يستمر في ظل استمرار ارتفاع أسعار المواد الأولية، واستمرار حالة التبعية الطاقية للخارج، رغم المحاولات المتواصلة لبنك المغرب للتحكم في السياسة النقدية وتشديد المتابعة عبر رفع سعر الفائدة بشكل متوالي لينتقل من 1.5% في المائة إلى 2.5%.
** تعامل الحكومة مع الأزمات المتعددة التي يعرفها الاقتصاد المغربي، تميز بتدخل مباشر جزئي ومحدود، هدفه بالأساس الحفاظ على استقرار الأسعار فيما يتعلق بالمواد الأساسية المدرجة في إطار صندوق المقاصة، من خلال مضاعفة المخصصات المالية لهذا الصندوق ورفعها من 16 مليار درهم إلى 32 مليار درهم سنة 2022، وعبر تقديم دعم مباشر لمهنيي النقل للحفاظ على استقرار أسعار النقل في ظل أزمة الطاقة العالمية، بالإضافة إلى التدخل الحكومي الجزئي الذي هم مهنيي قطاع السياحة لتجاوز تبعات أزمة كورونا، كما تعول الحكومة على بعض الإجراءات الضريبية الجديدة التي أقحمتها في قانون المالية 2023 لمحاولة استعادة بعض الهوامش المالية، لتمويل بعض البرنامج الحكومية، خاصة المتعلقة بالحماية الاجتماعية.
صحيح أن الأساس القوي للأزمة الاقتصادية التي يعاني منها المغرب، تأخذ ملامح وبصمات دولية، نظرا لعدة اعتبارات جيوسياسية واقتصادية تطال تبعاتها كافة دول العالم، لكن هذا لا يعني أنه ليس هناك عدة عوامل داخلية زادت من استفحال هذه الأزمة، في ظل غياب أي تعامل جدي وحازم معها من طرف الحكومة، فممارسات المضاربة والاحتكار الاغتناء من الأزمة لم تعد ممارسات خفية بل أصبحت ظاهرة للعيان وأصبحت موضوع تقارير مؤسسات الدولة، وموضوع اعتراف من طرف الحكومة نفسها، التي يقر وزراءها في مختلف خرجاتهم بوجودها وبدوها في موجة غلاء الأسعار التي تطال الشعب المغربي.
** يحتاج المجال الاقتصادي المغربي إلى مجموعة من الإصلاحات الهيكلية المتواصلة، التي تمكنه من الخروج من الأزمة، وتحقيق الطموحات والرهانات التي رفعها المغرب، باعتباره قوة إقليمية تسعى إلى تكريس ريادتها وتفوقها في مجالها الإقليمي والقاري:
إصلاح قانون المالية بما يضمن توازن المالية العمومية، ويسعى إلى استعادة هوامش مالية حقيقية قادرة على ضمان استدامة تمويل البرامج الإصلاحية، ويقلص الدين العمومي وخاصة الخارجي، الذي وصل إلى مستويات مرتفعة تقارب 100% من الناتج الداخلي الخام، وهو ما قد يرهن القرار السيادي الاقتصادي المغربي في يد مؤسسات التمويل الدولية، ويدفع إلى ظهور توترات اجتماعية متواصلة.
التنزيل السليم والعادل لمقتضيات القانون الإطار للإصلاح الضريبي، بما يضمن العدالة الضريبية ويرفع من قيمة المساهمة الضريبية في تركيبة مداخيل الدولة، ويرسي مفهوم الضريبة التصاعدية القائمة على من يكسب أكثر يدفع أكثر، ويتثبت الاستقرار الضريبي، ويوسع الوعاء الضريبي ليشمل الفئات المعفية والخارجة عن دائرة الفدع الضريبي.
التسريع بتنزيل تصورات النموذج التنموي الجديد، كإطار وطني متوافق عليه، للتنمية الشاملة، والابتعاد عن التردد غير المبرر في مباشرة الاصلاحات الهيكلية الكبرى.
تقوية آليات مراقبة المنافسة ومحاربة الفساد، من خلال تعزيز أدوار مجلس المنافسة بما يضمن عمله كجهاز قادر على حماية المنافسة الاقتصادية، وتوسيع صلاحيات الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، لتستطيع القيام بأدوارها كجهاز قادر على تخليق المجال الاقتصادي بمختلف مناحيه وجوانبه.
ضرورة التفعيل السريع للرؤية الملكية فيما يتعلق بالطاقات المتجددة، وجعلها البديل الحقيقي لضمان السيادة الطاقية للمغرب وتخفيف وطأة الفاتورة الطاقية للمغرب، نظرا للإمكانيات الهائلة التي يتوفر عليها المغرب في هذا الخصوص، ونظرا كذلك للقوة الطاقية التي توفرها هذه الطاقات المتجددة، والكلفة المنخفضة لاستغلالها، من خلال إصلاح الترسانة القانونية المرتبطة بها وتعزيز الاستثمارات الخاصة بها؛
فقد كشفت أزمة الطاقة الحالية عن أهمية الورش الملكي الرامي إلى تحقيق السيادة الطاقية لبلادنا، من خلال إعداد ترسانة قانونية وبنيات مؤسساتية للحكامة والمواكبة وفتح باب الاستثمار في الطاقات المتجددة ما جعل بلادنا اليوم تعد من بين أولى دول العام في هذا المجال، حيث ينتظر أن تبلغ حصة الطاقات النظيفة من النسيج الطاقي لبلادنا 52% في أفق سنة 2023، وأن تتجاوز 80% في أفق سنة 2050، وهو ما سيجعل المغرب يحصص السيادة والاستقلال الذاتي، ويمنع منافسة الأمن المائي والغذائي.
ولحكم انتمائنا للاشتراكية الديمقراطية، لا يمكن إلا أن ننوه بالتقدم الذي حققته بلادنا في هذا المجال باعتباره ليس فقط ورشا لضمان السيادة الطاقية، بل أيضا مساهمة واعدة في خفض الانبعاثات الغازية الملوثة، ودعم الجهود الدولية لحماية البيئة؛ لذلك فإننا في الاتحادي الاشتراكي سنكون أكثر إلحاحا في أن يتحقق هذا الورش الملكي الكبير من خلال تمنيع شروطه القانونية والمؤسساتية لما فيه خير ومصلحة وطننا وشعبنا.
وفي هذا الإطار، نعلن لأخوتكم أننا سنعمل على الاستثمار في هذا الورش في مقرنا لمركزي وذلك بالإنتاج الذاتي للطاقة الكهربائية عن طريق الطاقة الشمسية.
التنزيل السليم والسريع لتوجهات القانون الإطار للاستثمار، بما يضمن فعاليته وقدرته على خلف دينامية استثمارية حقيقية ومتوازنة ترابيا وقطاعيا، تمكن من إعطاء دفعة قوية للاقتصاد المغربي وتزيد من معدل النمو في البلاد، وتوفر فرص الشغل للشباب المغربي، وتسقط التهميش الاقتصادي على الجهات والمناطق المهمشة، ولن يتأتى إلا باجتثاث مختلف السلوكيات والتحايلات المعرقلة لتحقيق مشاريع المستثمرين المغاربة وجلب استثمارات أجنبية وهو ما يقتضي إزالة العراقيل والعوائق أينما وجدت وعلى أي مستوى من التدبير والمسؤولية باعتبارها مخالفة للقانون فلا استثمار بدون سيادة القانون.
./.
تعليقات الزوار ( 0 )