عقد المكتب السياسي للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، برئاسة الكاتب الأول الأستاذ إدريس لشكر، اجتماعا عاديا يوم الجمعة 10 نونبر 2023، تمحورت أشغالة ومناقشاته حول المرحلة السياسية الراهنة، وتحديات الأجندة الوطنية التي تشغل بال المغرب والمغاربة، إن على مستوى الشأن الداخلي البحت أو على مستوى القضايا ذات الامتدادات الإقليمية والقارية، كما وردت في العرض التقديمي التوجيهي للكاتب الأول.
وبناء على المداولات العميقة والثرية التي أعقبت العرض، وبعد تبادل وجهات النظر والتحليلات المعهودة في القيادة الاتحادية عند كل منعطف هام من تاريخ المغرب المعاصر، استقر تقدير الموقف على ما يلي :
- اعتبار الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 48 للمسيرة الخضراء، خطابا تاريخيا بكل مقايييس التحليل الرزين والعميق لمستجدات قضية وحدتنا الترابية، ولموقع بلادنا في خارطة صناعة القرار الإفريقي، دشن فيه ملك البلاد توجها جديدا وتحولا عميقا يبني هوية جيوستراتيجية للمغرب الأطلسي، لا شك أنها ستغير من نظرة المغاربة إلى أنفسهم ونظرة المغرب إلى هويته، كما سَتُمَنِّعُ المغرب من مخططات الخصوم الرامية إلى جعله جزيرة أريد له أن يكون محاصرا بين بحار شاسعة وحدود مغلقة وجوار حذر حينا ومعادٍ أحيانا أخرى.
إن التوجه الجديد يسعى الى هيكلة هذا الفضاء، بما يخدم القارة الإفريقية، باعتماد مقاربة جريئة وغير مسبوقة، لكنها في الوقت نفسه مقاربة مفكر فيها بعمق واقتناع وتم إنضاجها بهدوء استراتيجي يضع كل إمكانيات المغرب رهن إشارة «أسرته المؤسساتية» الإفريقية. وذلك
- عبر استكمال التأهيل التنموي في أقاليمنا الصحراوية، بمستوى يجعلها منصة قارية، ونموذجا يحتذى به في تنمية السياحة الأطلسية وتطوير الأسطول البحري التجاري، وتنويع الموارد الطاقية، والرفع من مردودية مقومات الاقتصاد الأزرق، نموذجا قادرا على أن يكون قاطرة لاندماج قاري موسع للاستفادة من الواجهة الأفرو أطلسية
- وضع آليات ديبلوماسية مبتكرة، من خلال انصهار سياسات 23 دولة إفريقية في توجه مؤسساتي موحد، يمتلك أدوات الفعل والتأثير وفرص الاستفادة من الفضاء الأطلسي الذي يعد اليوم أحد أكبر الفضاءات الجيو – اقتصادية والجيو – سياسية في العالم، يتمتع،إلى ذلك بقسط وافر من الاستقرار وعناصر النماء المشترك، بدءًا من الشواطىء الإفريقية ووصولا الى الفضاءات الأمريكو-لاتينية مرورا بالفضاءات الأمريكو – شمالية والغرب أوروبية ..
-التحفيز دوليا على مبادرة شاملة لفائدة دول الساحل التي تعيش أوضاعا خاصة، تجعلها موضوع تقاطبات دولية تنجم عنها شروط اللااستقرار والحروب الأهلية والتنافس الدولي الهادف إلى سحب قرارات السيادة من دولها.
ولا يسع الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية إلا أن يثمن ويحيي عاليا هذا التوجه الملكي في تقوية البعد الأفرو أطلسي للمغرب، لا سيما وأن الاتحاد شاهد وشريك في الدعوة الى تأهيل واجهاتنا البحرية، كما بينت ذلك مشاركته من خلال حكومة التناوب في صناعة الممرات الطرقية الكبرى والبنيات الاستراتيجية في شمال المغرب، والعمل على تأهيل الفضاء الأورومتوسطي، تنفيذا للإرادة الملكية وبما امتلك من خبرة وكفاءة أطره وإرادة وطنية صادقة تحذوهم..
ومن باب الوطنية الصادقة، نستشعر الأهمية القصوى للانخراط في هذا التوجه الملكي المتبصر والمستقبلي لمن هم في مركز القرار التنفيذي. ونستشعر الحاجة الى تذكيرهم بضرورة اعتماد الجدية الملكية التي ركز عليها جلالته في خطبه الأخيرة بدون استثناء في تسريع هذا الورش الجيو-ستراتيجي . علما أن الاتحاد، يجد في سلوك الحكومة، حتى عشية الخطاب الملكي، ما يشعره بالقلق من درجة الانخراط الواجبة، وقد تبين له أن الحكومة كانت بعيدة كل البعد عن الاستجابة لتدخلات فريقه البرلماني بخصوص الحاجة الماسة إلى أسطول بحري تجاري تنافسي، يشكل جسرا بحريا دائما للمغرب في علاقاته الدولية الجديدة.
ووقف المكتب السياسي عند حادثة اسمارة الإرهابية، وبهذا الخصوص يثمن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية باسم قيادته وقواعده، الأسلوب المعتمد من طرف بلادنا في التعامل مع هذا الاستفزاز الإرهابي، الذي أدَّى إلى سقوط شهيد مغربي والعديد من الجرحى. ويذكر الاتحاد في هذا المنحى بالسلوك العاقل والمتبصر نفسه الذي تعامل به المغرب مع حادثة مقتل شبان مغاربة بالسعيدية في الصيف الماضي، محتكما في ذلك إلى القانون، عبر تكليف الوكيل العام بالملف قبل اتخاذ أي موقف أو التعبير عنه.
ولا تفوت الفرصة هنا للتذكير بأن حادثة اسمارة ليست معزولة عن استفزازات طوال السنة أوردها تقرير الأمين العام للأمم المتحدة ، بناء على معلومات المينورسو، مصدره الوحيد والرئيسي المعتمد رسميا، والتي توصلت ببلاغات القوات المسلحة الملكية، عن حوادث إطلاق نار تعدت 500 حالة، إضافة إلى 18 حالة تحليق آليات مسيرة فوق مواقع وجوده، وهو ما يجعل الأمم المتحدة شاهدة على السلوك الاستفزازي والعدواني المتمادي من طرف خصوم المغرب ومن يساندهم في السر والعلن..
والاتحاد يجد نفسه، جملة وتفصيلا، مع تغليب منطق الحكمة والتعقل الذي تبنته الدولة المغربية في تتبع تطورات الوضع، مع الوعي بأن الأهداف المعلنة لهذا العدوان تكمن في خلق جو من التوتر يصرف المغرب عن المُضي في طريق النجاح والتطور والريادة الإقليمية..وهو ما لن يتأتى للراغبين في ذلك بفضل الحكمة والتبصر والمناعة الوطنية لبلادنا.
وعلى المستوى الاجتماعي، يجدد الاتحاد اعتزازه الكبير وتحياته العالية للمشاريع الملكية الكبرى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر تأهيل مناطق الاطلس الكبير وما وضع له من إمكانيات تمويلية، وخطط ذات أبعاد اجتماعية وثقافية وروحية، والدعم المباشر للأسر المعوزة، وتوسيع دائرة الفئات الجديدة المستفيدة منه، ودعم السكن لمن لا يملكه، ويعتبر أن مرتكزات الدولة الاجتماعية التي شكلت على الدوام ثابتا فكريا وسياسيا وأخلاقيا ومجتمعيا في مشروعنا الاشتراكي، قد حظيت بما يجب من العناية الملكية والحرص على تأسيسها وتركيز مقوماتها، معتبرا في الوقت نفسه أن:
- الدولة الاجتماعية ليس شعارا مجزأ، بل هي كيان موحد متكامل وتلتقي حوله منجزات التغطية الاجتماعية، والدعم المباشر، والتغطية الصحية والتشغيل والتعويض عن فقدانه والتفاوض الاجتماعي، وهو ما يفرض على الحكومة تأهيل كل هذه المقومات وتنشيط كل هاته الأدوات بالقرارات العملية، بالتنفيذ والتجويد، بما يتدارك التعثر في بعضها كما هو حال التفاوض الاجتماعي، أو النظر في منظومة المرتكزات التي تستوجب ذلك كما هو حال المدرسة العمومية التي تعتبر أهم سلم للارتقاء الاجتماعي وبناء الدولة الاجتماعية..ويعلن الاتحاد عن بالغ إصراره وشديد حرصه على الدفاع عن مكتسبات بلادنا في هذا الباب، وتخصيب آثارها الاقتصادية والاجتماعية الشاملة لفائدة عموم الشعب المغربي، وحمايتها من التلاعب الذي يطبع سلوكات الفاسدين أو الانتهازيين الذين يسعون إلى تأزيم الأوضاع.
وبهذا الخصوص، يتوجه الاتحاد إلى عموم الفاعلين في الحقل التربوي ببلادنا لتغليب المصلحة العامة لفائدة كل مكونات المدرسة الوطنية، بما يضمن الأمن التربوي ويحقق شرط السلم الاجتماعي العادل المفروض تحققه لإنجاح ورش التربية والتكوين وتوفير شروط التأهيل الذي يسمح بإنجاح إصلاح شمولي يتوفر على كل أسباب النجاح، تربويا وبشريا وماديا . وفي هذا السياق يعتبر أن التفاوض المؤسساتي الناجع هو الكفيل بتحرير المدرسة الوطنية من كل إكراهات أو اشتراطات التعامل المالي الضيق مع الملف، وهو الكفيل بالحوار الهادئ والعقلاني الذي يستحضر المصلحة العليا للتلميذ، باعتباره الهدف الرئيسي من العملية التربوية..
وينوه المكتب السياسي بالتدبير الرزين والمسؤول للقيادات النقابية الحزبية، كما ينوه بالتدخلات المسؤولة والنضالية للفريق الاتحادي في مجلسي البرلمان ويدعو إلى تعميم المعالجة الوطنية الصادقة لملف ظل ?يشكل امتحانا مركزيا ومتكررا لكل السياسات العمومية ولا يزال. إلى ذلك وقف المكتب السياسي عند الوضع الاجتماعي المتأزم بالرغم من كل المبادرات الملكية الذاهبة نحو انفراجه وتحقيق شروط العيش المشترك الهادئ والعادل، وينبه الي ارتفاع الكلفة المعيشية، بسبب السلوكات الاحتكارية والاستفراد بالمواطنين المستهلكين بدون رادع قوي، كما يعتبر بأن الترقيعات التي تمت في التعديلات المقدمة من طرف الأغلبية لا ترٍمي إلى سياسة عمومية للحد من الارتفاع المهول للأسعار مع ما يرافق ذلك من تضخم يحرم الكثير من المواطنين من الأمن الغذائي، ناهيك عن السيادة الغذائية التي وضعها ملك البلاد كاستراتيجية مستعجلة للتعامل مع تقلبات الداخل والخارج…
ـ وعليه يدعو الاتحاد الى الحماية الشاملة والناجعة للقدرة الشرائية للفئات الفقيرة والمتوسطة ببلادنا، ومحاربة كل أسباب التضخم وخصوصا الارتفاعات المهولة للمواد الغذائية الأساسية.
وعلى هذا الصعيد، لم يعد مقبولا أن تدعم الدولة، بسخاء، مستثمرين ومنتجين فلاحيين يتحولون إلى لوبيات تصدير منتوجاتنا الفلاحية، مع العزوف عن تزويد السوق الوطني، بالأولوية، بمنتوجات فلاحية كافية وذات جودة.
إن هذا الوضع السياسي الذي طبعه التغول في بداية تشكل الحكومة، ويطبعه الغموض والهشاشة في تدبير الملفات الكبرى، كما تسمه الإرادة المضمرة حينا والمعلنة أحيانا كثيرة في إضعاف العمل المؤسساتي، وتفاقم الوضع الاجتماعي، بات يشي باستهداف المسار الديموقراطي، مدعوما بالكثير من الكيانات الانتهازية المتغولة مما يفرض بلورة الجواب الجدير بأن يعيد التوازن إلى العمل المؤسساتي بين البرلمان وبين الحكومة ومؤسسات الحكامة من جهة أخرى. وبين الأغلبية والمعارضة من جهة أخرى، وهو وضع نستشعر في الاتحاد أنه ملازم عادة لثقافة التردد والارتعاش، قد يزيد من تقويض المؤسسات الدستورية وفي تعميق الفجوة وعدم الثقة بينها وبين المواطن، ويعطل الأداء المؤسساتي الدستوري من قبيل العمل بأدوات المراقبة من قبيل ملتمس الرقابة ولجن تقصي الحقائق، كآليات اشتغال لدى البرلمان والمعارضة خصوصا.
وبهذا الخصوص، استمع المكتب السياسي لعرض موجز عن مضامين الإصلاحات المقدمة من طرف الفريق البرلماني ، وإذ ينوه بالعمل البرلماني المثمر والعقلاني للمعارضة الاتحادية بالغرفتين، طوال ما انصرم من حياتنا التشريعية، يحيي المنسوب المرتفع لمساهماتها كقوة اقتراحية مسؤولة، في ما سبق أو في الدورة الحالية حيث تنوعت واتسعت مقترحات تعديلاته بخصوص قانون المالية لهذه السنة والبالغة ما يفوق 160 تعديلا شملت الجوانب الاجتماعية والمقاولاتية والمدنية والضريبية.
ويود بهذا الخصوص الإلحاح على العدالة الضريبية، وعلى الكشف عن كل السلوكات الهدامة والعراقيل المقصودة في مجال الاستثمارات، والتي سبق لملك البلاد أن نبه إلى خطورتها في العديد من خطبه السامية..
مما يستوجب، في نهاية التحليل ضرورة بناء جبهة للمعارضة من أجل حماية التوازن المؤسساتي، والمناعة الديموقراطية، جبهة منفتحة على كل القوى الحية في البناء السياسي الوطني، من قوى اليسار والديموقراطيين وممثلي العمال، ورجال الأعمال وكل من له مصلحة في تعزيز البناء الديموقراطي وتقوية الجبهة الداخلية التي تفرضها التحديات التي تواجهها البلاد، داخليا وخارجيا، أكثر من أي وقت مضى .
كما حظيت قضيةإصلاح مدونة الأسرة بحظ وافر من النقاش العميق والمسؤول؛
ـ وبعد استعراض مضامين الاجتماع الذي جمع الكاتب الأول بالمنظمة الاشتراكية للنساءالاتحاديات ومناضلات من واجهات قيادية؛
ـ و بعد استحضار المجهود الفكري والترافعي الذي قامت به المرأة الاتحادية من خلال منظمتها، واجتهاد كل مناضلاتها على كل الجبهات، ومن خلال التعبئة المجتمعية حول مطلب التعديل المتقدم والعادل، بما يخدم الأسرة المغربية وتقدم المجتمع برمته، كما أراد جلالة الملك.
توقف المكتب السياسي عند انطلاق عمل اللجنة المكلفة بوضع مشروع التعديلات على مدونة الأسرة،
ـ وبعد التنويه بالتراكم التاريخي الذي سجله الاتحاد في مجال الدفاع عن كل حقوق المرأة المغربية، ومن خلالها الأسرة، وتسجيل مبادراته المادية والمعنوية في هذا السياق، يعلن الاتحاد:
= إن التقدم الحاصل في المجتمع حاليا، والتراكم الذي تحقق طوال ما يزيد عن نصف قرن من مساهمات النساء المغربيات، بات يتطلب سقفا مرتفعا يجعل من المدونة تعاقدا يليق بالألفية الثالثة، ويفتح باب التطور نحو التجاوب مع استحقاقات المستقبل الكريم والعادل لكل مكونات المجتمع وفي قلبه المرأة المغربية.
= وإذ يجدد تثمينه للمنهجية التشاركية التي وضع أسسها جلالة الملك من أجل إعادة النظر في مدونة الأسرة، وربطه لهذه الدينامية بأفق بناء الدولة الاجتماعية، بما يعني ذلك أن القضية النسائية ليست قضية فئوية، بل هي قضية مجتمعية، تجد جوابها في استكمال بناء أساسات هذه الدولة الاجتماعية نفسها. بما فيها المشاريع الحالية للحماية الاجتماعية ؛
= وإذ يشدد على ضرورة معالجة القضية بما يضمن تشييد تجربة مغربية للحداثة، لا تتنكر لعناصر القوة في منظوماتها الثقافية والقيمية.، بما يعني ذلك من حماية هذا المسار بمصفوفة من القيم التي تحميه من أي انزلاقات، أو مزايدات، أو تقاطبات غير مرغوبة، وهي القيم نفسها التي أشارت إليها الخطب الملكية الأخيرة، التي توالف بين القيم الدينية الوسطية المؤطرة بالاجتهاد المتفاعل مع العصر، والقيم الوطنية التي صانت الخصوصية والنبوغ المغربيين، والقيم الكونية لحقوق الإنسان باعتبارها مشتركا إنسانيا.
فإن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية لا يعتبر تعديل مقتضيات في مدونة الأسرة، إجراء تقنيا، يقتصر فقط على تجويد النص الحالي، بل إنه يعتبر أن المدونة لا يجب أن تنفصل عن طموح الدولة الاجتماعية، وعن تفعيل المتن الدستوري في قضايا المساواة والإنصاف والمناصفة، وبالتالي يجب أن تساهم في التمكين للنساء على كل المستويات، وفي رفع كل أشكال التمييز ضدهن، وبالتالي يجب إلغاء وتجنب كل المقتضيات التي قد تشكل عرقلة أمام تمتع النساء بكافة حقوقهن الاقتصادية والاجتماعية والمدنية والسياسية، ويتحتم تنقيتها من كل ما يتعارض مع حقوق الطفل، والتزامات المغرب بهذا الخصوص.
وفي سياق استحضار البعد الكوني لنضاله من أجل حقوق المرأة المغربية، في انتماء إلى حركية النضال العالمي، يعلن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن استضافته لاجتماع الأممية الاشتراكية للنساء، مشيدا بهذا الخصوص بالمجهودات المثمرة في هذا المحفل الأممي.
كما قرر توفير شروط عقد اجتماعات المجلس الوطني ومؤسسة كتاب الجهات الحزبية، تبعا للأجندة التي تنص عليها قوانين الحزب.
تعليقات الزوار ( 0 )