في بداية أشغال المجلس الوطني، ألقى الاخ الحبيب المالكي، رئيس المجلس الوطني، كلمة افتتاحية، أبرز فيها أن المجلس الوطني يتزامن مع ذكرى تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال وذكرى رحيل القائد عبد الرحيم بوعبيد، وهو مناسبة للتأكيد أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية سيظل وفيا لقيمه ومثله العليا وشهدائه الأبرار، وأنه سيستمر، بأجياله الحالية والمتعاقبة، في ترسيخ الوحدة الترابية، الديموقراطية، العدالة الاجتماعية والتنمية الشاملة.
واعتبر الاخ المالكي أن انعقاد هذه الدورة مناسبة، كذلك، لاستحضار ثلة خيرة من كبار المناضلين الاتحاديين الذين ودعونا في الفترة الأخيرة، والذين ساهموا بقوة في بناء البيت الاتحادي، بإيمان وتفان وإخلاص، الراحل عبد الواحد الراضي، الكاتب الأول الأسبق للحزب، والذي طبع الحياة السياسية والمدنية على مدى أكثر من ستين عاما، ورجل الدولة الكبير والمناضل الديموقراطي في فكره وسلوكه السياسي ونموذج الالتزام والوفاء لحزبه ولثوابت الأمة ومؤسساتها، كما نستحضر الراحل سيمحمد لحبابي القيادي الشهم وأحد الوجوه البارزة في مسار البناء الوطني والحزبي، والراحل عبد المالك جداوي،القائد المقتدر، والحاج محمد إقبال، واحد من الثلة التي أسست النقابة الوطنية للتجار الصغار والمتوسطين، وأعضاء المجلس الوطني أحمد الدادسي وحسن المحروس ولطيفة الوحداني وغيرهم من المناضلين الأوفياء، والراحل محمد الجابري ورشيد جبوج والمنور بنتفريت ومحمد الربيب والصحفي المتميز الراحل عبد اللطيف جبرو وغيرهم من الاتحاديات والاتحاديين مترحما عليهم، وعلى كل المناضلات والمناضلين الذين فقدناهم على مستوى الفروع وبعض الأقاليم، مترحما أيضا على شهداء القضية الفلسطينية الذين يضحون من أجل وطنهم وعدالة قضيتهم بكل مجد وشرف، وبالمناسبة، قام عضوات وأعضاء المجلس الوطني بقراءة الفاتحة ترحما على الأرواح الطاهرة لهؤلاء المناضلات والمناضلين الاتحاديين.
وأشار رئيس المجلس الوطني إلى أن هذا الاجتماع نستحضر فيه المبادرات الملكية الحكيمة سواء تعلق الأمر بتحقيق انتصارات ومكاسب دبلوماسية كبيرة في مسار القضية الوطنية والدفاع عن مغربية الصحراء أو الانتخاب التاريخي للمغرب لرئاسة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، أو تعزيز وتقوية العلاقات بين المغرب وإسبانيا، وكذلك موريتانيا، التي بلغت مستوى عال من المتانة والثقة، أو إعمار المناطق المنكوبة جراء الزلزال الذي شهدته منطقة الحوز، أو إعادة النظر في مدونة الأسرة عبر إشراك كل المؤسسات والهيئات، أو على مستوى الحقل الرياضي وتجاوب المنظمات الإقليمية والوطنية مع رغبة بلادنا في تنظيم تظاهرات دولية كبيرة أو القرار الحكيم باعتماد رأس السنة الأمازيغية عطلة وطنية رسمية، إلى غيرها من المبادرات والمواقف التي عززت صورة المغرب داخليا وخارجيا.
وبالموازاة مع ذلك عبر رئيس المجلس الوطني عن الاعتزاز بالدينامية التي يعرفها الحزب من خلال الأنشطة المتميزة، محليا ووطنيا، وعلى مستوى المؤتمرات الإقليمية التنظيمية أو القطاعية وبالخصوص الأنشطة المكثفة والواسعة لمنظمة النساء الاتحاديات والشبيبة الاتحادية والقطاع الطلابي الاتحادي، وعدد هام من القطاعات المهنية أو على مستوى المؤسسات المنتخبة، وبالخصوص المواقف المسؤولة والناجعة لفريق الاتحاد الاشتراكي البرلماني بغرفتيه لاستمرار الاتحاد قوة مؤثرة وفاعلة من خلال قوة تنظيماته وأجهزته.
وتوجه رئيس المجلس الوطني بتحية خاصة إلى الكاتب الأول وإلى كل من ساهم في إنجاز هذا المجهود الحزبي البناء، ولم تفته الفرصة أيضا للتنويه بالمبادرة الهامة التي همت التنسيق المشترك بين حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية، وإقرار إعلان وثيقة « التصريح السياسي المشترك»، منوها في نفس الوقت بروح النضج التي رافقت هذه الخطوة السياسية القوية، والتي سيكون لها الأثر البالغ على مستقبل الحزبين ومستقبل البلاد، وعلى ساحة الفعل الاجتماعي والسياسي، وكل ذلك يندرج في أفق توسيع الصف الديموقراطي الحداثي في بلادنا وانخراط كل الإرادات الصادقة الرافضة لسياسة التغول والارتجال والملتزمة بالنضال المشترك من أجل التقدم في سيرورة ترسيخ المشروع السياسي الديموقراطي، ومواجهة كل أشكال الفساد والتردي والانهيار الأخلاقي عبر جيل جديد من الإصلاحات السياسية، وعبر تفعيل حقيقي للدستور والتشريعات.
وبخصوص جانب التنظيم الحزبي، أكد رئيس المجلس الوطني على ضرورة الإقرار أن مطالب التنظيم اليوم تختلف عن مطالبه بالأمس، مما يقتضي معه أولا بلورة أساليب جديدة في الاستقطاب السياسي للتمكن من ضخ دماء جديدة في هياكل الحزب، وذلك بالانفتاح الكبير والواسع ودون تردد على سيرورة التحول الجارية في مختلف بنيات مجتمعنا، ثانيا، تقوية التنظيم القطاعي الذي نعتبره من الركائز الأساسية لهندستنا التنظيمية، ذلك أن تعزيز القوى الاقتراحية والتدبيرية للحزب مرتبط بحركيته وقوة تنظيماته القطاعية، وتحديث العلاقات المهنية والاجتماعية داخل المقاولة المغربية غاية في تأسيس ثقافة تجعل من كل أطراف الإنتاج فاعلين يقدرون حقوقهم وواجباتهم، ثالثا، إعادة النظر في طريقة اشتغال المجلس الوطني ليتحول إلى مؤسسة فاعلة مؤثرة في الحياة الحزبية، وإلى برلمان حقيقي للحزب، بالنظر لامتداداته الترابية والاجتماعية الواسعة المتنوعة.
وعلى المستوى السياسي سجل رئيس المجلس الوطني، أننا اليوم أمام العديد من المكتسبات لكن أيضا أمام عجز كبير للأغلبية الحكومية الحالية في ترجمة الاختيارات الكبرى والاستراتيجيات والبرامج المقررة، وعدم القدرة على القيام بتجربة حكومية توفرت لها العديد من الفرص والوسائل، إقليميا جهويا ووطنيا، والتي لم تتوفر لغيرها من الحكومات السابقة، وعبر المالكي عن أمله في أن تؤشر استحقاقات سنة 2026 على مرحلة جديدة، حيث سيكون مسلسل بناء الديمقراطية والمؤسسات في البلاد قد استنفد خمسين سنة، أي منذ 1976، مما يدعونا جميعا ومنذ الآن، حكومة وأحزابا ومؤسسات، إلى القيام بعملية تفكير جماعي وحوار عميق وهادئ، في ظل المتغيرات الرئيسية والتحولات العميقة والتضليل الرقمي والتداخل الواضح للأدوار والوظائف بين المؤسسات وأزمة القيم والسلوكيات، وتغييب المرجعيات الكبرى التي شكلت ولمدة طويلة الأساس لصياغة المشاريع والأجوبة والتصورات.
وفي هذا الإطار، شدد المالكي على الغايات التي يجب أن تحكم مسارنا اليوم، في صياغة أجوبة موضوعية لتحسين وتقوية المؤسسات وإصلاح العملية الديمقراطية برمتها، والمساهمة بقوة في تعبئة المواطن، كي نساهم عن وعي في بناء هذه المؤسسات وتجذير حضورها عوض إضعافها، وللتجاوب مع رغبة وحاجيات فئات واسعة من الشعب المغربي المكتوية بنار الغلاء والتفقير الاجتماعي، عبر سن سياسات عمومية تمكن كل الفئات والجهات من الاندماج الكلي في المجتمع وتقوي التماسك الاجتماعي الضامن للاستقرار والتنمية.
وفي الأخير، أكد الاخ المالكي، أن التأمل الواسع في الورش السياسي والتنموي الكبير لا يجب أن يصرفنا عن أولويات ومتطلبات عملنا الحزبي، وعن أهم المستجدات الوطنية والحزبية، والتي ستكون موضوع تقرير الكاتب الأول، ومن المؤكد أن الحوار الديموقراطي الذي سيؤثث الاجتماع اليوم ومجمل اقتراحاتكم، ستشكل جزءا أساسيا في تقرير وتحديد آفاق العمل لما يقوي دور الحزب وما يؤثر فيه من عمليات البناء والإصلاح والدمقرطة.
30 يناير 2024
تعليقات الزوار ( 0 )