تدعيم الصلاحيات التنموية للجماعات وإعادة فتح ورش تعديل القوانين التنظيمية
تعزيز دور الأحزاب لانخراط أكبر للمواطن في تدبير الشأن العام
أخواتي، إخوتي، أيها الحضور الكريم،
نلتئم اليوم، في المؤتمر الوطني التأسيسي للمؤسسة الاشتراكية للمنتخبات والمنتخبين الجماعيين والمهنيين، في سياق الدينامية التنظيمية التي يعرفها الحزب، والتي نواصل فيها تقوية تنظيماتنا القطاعية في مختلف المجالات، لنطلق ورش التفكير الجماعي في ما تتطلبه المرحلة من إصلاحات في المنظومة التمثيلية، وكيفية الارتقاء بعملنا الحزبي في أفق الاستحقاقات المقبلة.
فالرهان الأساسي في اللحظة الراهنة، كما يدل على ذلك شعار المؤتمر، هو إعادة الاعتبار للمؤسسات المنتخبة لكسب تحديات التنمية وتعزيز البناء الديمقراطي والمؤسساتي في بلادنا. ولن نستطيع ربح هذا الرهان إلا بمصالحة المواطن مع الشأن المحلي والعام حتى تترسخ ثقته في المؤسسات والعمل السياسي. ولتحقيق هذه المصالحة، لا بد من تمكين المؤسسات المنتخبة من أدوارها الحقيقية في تحسين جودة الحياة داخل المجال الترابي والارتقاء بالخدمات العمومية، في الاتجاه الذي يقوي الإحساس بالمواطنة والاطمئنان على أن المجالس المنتخبة هي في خدمة التنمية والمصلحة العامة.
إن تدبير شؤون المواطنين وخدمة مصالحهم مسؤولية وطنية، وأمانة جسيمة، لا تقبل التهاون أو التأخير، بل تستدعي من الفاعل الحكومي والسياسي الحرص على العمل المشترك من أجل إقرار منظومة تمثيلية قادرة على إفراز مؤسسات منتخبة جديرة باحترام المواطن ومتجاوبة مع الطموحات التنموية لبلادنا. وتظل المقاربة التشاركية الوسيلة الأنجع للتمكن من رد الاعتبار للمؤسسات المنتخبة، الغاية من كل ذلك هو القيام بإصلاح يدشن لمرحلة جديدة تقطع مع ممارسات الماضي.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة،
إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، من خلال مسيرته التاريخية في مجال إقامة صرح الديمقراطية ببلادنا، كان يعي جيدا، أن التدخل التنموي للدولة المركزية، قد يكون غير كاف للإحاطة بجميع مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية، وطنيا وجهويا وإقليميا ومحليا. لذلك نعتبر أن التدخل المركزي للدولة إذا كان مسألة جوهرية في بداية الحصول على الاستقلال، من أجل توحيد التوجهات العامة لسير بلادنا، من خلال إدارات ومؤسسات ومقاولات عمومية تمثل الدولة، ومن أجل إقامة توازن مؤسساتي، فإن التدبير المركزي اليوم ينبغي أن يقابله تدبير لامركزي. فبالموازاة مع ممثلي الدولة، ينبغي أن يكون للمواطنين أيضا ممثليهم الذين يتدخلون باسمهم.
وهكذا، أصبحت ثنائية التدبير المركزي والتدبير اللامركزي، يعبر عنها بالتدبير عن طريق موظفين وأعوان معينين والتدبير عن طريق مستشارين منتخبين.
لقد ساهم حزبنا في أول انتخابات جماعية، حضرية وقروية بتاريخ 29 ماي 1960، حيث حصل على المرتبة الثانية من خلال 30 ٪ من الأصوات، أي 23 ٪ من المقاعد. ومنذ ذلك التاريخ، والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، يناضل من أجل لامركزية حقيقية، قائمة على منح صلاحيات فعلية للهيئات المنتخبة التي كانت آنذاك تسمى بالجماعات المحلية، الحضرية والقروية.
ورغم الظروف الصعبة، تمكن حزبنا من الدفع في اتجاه ميثاق جماعي جديد يحل محل قانون 1960 الذي أصبح متجاوزا بفعل التغيرات المتلاحقة. وقد تحقق ذلك من خلال إقرار ميثاق جماعي جديد بتاريخ 30 شتنبر 1976، وهو الميثاق الذي عمر لفترة طويلة كان الأساسي فيها هو بداية ظهور ملامح اللامركزية الإدارية ببلادنا، رغم هيمنة السلطة المركزية عن طريق نظام الوصاية.
لقد تطور عدد المستشارين الاتحاديين بشكل مهم جدا، ساعده في ذلك، نظام الاقتراع الذي كان يربط علاقة مباشرة بين الناخب والمنتخب، مما جعل من حزبنا نموذجا للتنظيم المنسجم.
إلا أن التطورات اللاحقة كانت في اتجاهين متناقضين:
فبقدر ما تم إدخال تعديلات مهمة على الميثاق الجماعي قصد تطويره من حيث التنظيم والصلاحيات، بقدر ما تم الشروع في اعتماد تقنيات وأساليب تبعد الاتحاد الاشتراكي عن تدبير المدن الكبرى التي كان يسيرها.
لقد تم تغيير أسلوب الاقتراع، بشكل فك الارتباط بين الحزب والناخب والمنتخب، وأصبحت النتائج في غير صالحنا.
ورغم تركيز حزبنا على الجماعات المحلية باعتبارها الخلية القاعدية للتنظيم اللامركزي، فإننا ما فتئنا نسجل التخلف الذي كانت تعرفه مجالس العمالات والأقاليم منذ قانون 1963، ومجالس الجهات منذ إحداث الجهات الاقتصادية السبعة سنة 1971. وكنا لا نكل من المطالبة بتطوير نظام اللامركزية الإدارية ببلادنا، وجعله أكثر انسجاما، ومنحه صلاحيات مستقلة غير خاضعة للوصاية، حتى تمتلك حرية المبادرة للمساهمة الإيجابية في التنمية المحلية.
إلا أنه، مع كامل الأسف، سارت تجربتنا في اتجاه مغاير.
أخواتي، إخوتي،
لقد صدر دستور 2011، متضمنا مقتضيات متقدمة جدا في مجال اللامركزية الترابية، وتم تخصيص الباب التاسع بأكمله للجماعات.
وهكذا تم تجاوز ذلك التقسيم بين الجماعات الحضرية والقروية، والذي لم يكن له أي مبرر، كما أنه تم وضع مقتضيات واضحة تقوم على مبدأ التدبير الحر، وعلى التعاون والتضامن، بما يسمح للجماعات المختلفة بالمشاركة الفعلية في تدبير شؤونها، بل أن الجماعات الترابية أصبحت لها اختصاصات ذاتية واختصاصات مشتركة مع الدولة واختصاصات منقولة إليها من هذه الأخيرة، مع تمتيعها، في مجالات اختصاصاتها، وداخل دائرتها الترابية، بسلطة تنظيمية لممارسة صلاحياتها.
إلا أنه مع الأسف مرة أخرى، لم تكن القوانين التنظيمية في المستوى المطلوب.
وقد ساهم الاتحاد الاشتراكي خلال مناقشة هذه النصوص المتعلقة بالجهات، والعمالات، والأقاليم، والجماعات، بعشرات المقترحات التي كانت تستهدف إرساء دعائم جماعات تساير الأوراش الكبرى التي يقودها صاحب الجلالة؛ والتي جعلت من بلدنا ورشا مفتوحا على المستقبل، تطلب تظافر كل الجهود، لإنجاح العملية التنموية الشاملة.
إن الجماعات الترابية، بمختلف مستوياتها، مكون أساسي في العملية التنموية، وهو ما يتطلب الانسجام بين مكونات الأغلبية التي تقودها، ليس من حيث تجميع أحزاب سياسية لتكوين أغلبيات معينة للهيمنة، ولكن الانسجام يكون بجماعات تدبرها أحزاب سياسية ذات برامج حزبية متقاربة وتصور تنموي واضح، يندرج ضمن توجهات السياسة العامة للدولة.
ومن أجل بلوغ هذه الأهداف، فإننا نعتبر أن تشكيل هذه الأغلبيات المنسجمة، يتطلب إعادة النظر في المنظومة الانتخابية، وخاصة من زاوية أسلوب الاقتراع.
أخواتي، إخوتي،
لقد كانت بلادنا تعتمد أسلوب الاقتراع الفردي الاسمي في دورة واحدة، وأعطى كل النتائج المرجوة منه، لولا أن توسع دائرة التزوير آنذاك، وتدخل السلطة وسماسرة الانتخابات في العملية الانتخابية، وابتداع أساليب للضغط على الناخبات والناخبين من خلال نظام الألوان الذي كان معمولا به، دفعنا إلى البحث عن أساليب جديدة.
وبهذا الخصوص، طرحنا الورقة الفريدة في التصويت، ودافعنا عن أسلوب الاقتراع اللائحي، كخطوة نحو القضاء على أي مظهر من مظاهر تزوير النتائج، ورفع الحرج عن الناخب من خلال أسلوب الورقة الفريدة للتصويت. وقد حصل تطور مهم بهذا الخصوص، لدرجة أنه يمكن القول الآن، أن أسلوب الاقتراع اللائحي، قد استنفذ دوره بالنسبة للجماعات والمقاطعات.
إن العلاقة المباشرة بين الناخب والمنتخب لعبت دورا مهما في تطوير العمل الجماعي، حيث إن العلاقة بين الطرفين، تجعل الناخب قادرا على متابعة أعمال المنتخب، كما تجعل هذا الأخير ملزما بتلبية حاجيات الساكنة التي يقطن وسطها.
وبهذه الطريقة، كانت المسؤوليات واضحة، ليس فقط على مستوى الجماعة، بل أيضا على مستوى العلاقات الحزبية، حيث كان المنتخب يعمل باستمرار على تطوير الأداة الحزبية التي تحافظ له على ناخبيه على مستوى الدائرة الذي يتقاسمها معهم ؛ وبذلك، تطور التنظيم الحزبي، وأصبح أكثر اطلاعا وإدراكا لمشاكل المواطنات والمواطنين.
إلا أن أسلوب اللائحة، غير من هذه المعطيات، وبشكل سلبي، حيث انفك الارتباط بين الناخب والمنتخب أولا على مستوى الدائرة الانتخابية، قبل أن ينتقل إلى فك الارتباط بينهما وبين التنظيم الحزبي. كما أنهى كل وساطة بين الإدارة والمواطنين، خاصة في وقت الأزمات.
إننا نغتنم، الآن، هذه المناسبة للدعوة إلى العودة لنظام الاقتراع الفردي بالنسبة للجماعات والمقاطعات بما يضمن المحافظة على وحدة المدن، وعلى تمثيلية النساء.
فبالنسبة للجماعات غير المقسمة إلى مقاطعات، فالرجوع للاقتراع الفردي لا يطرح أي إشكالات، مع تسجيل أننا ندعو للمحافظة على مكتسبات النساء، بل وتدعيمها لتحقيق تطلعات نساء المغرب التي دافعن ويدافع الاتحاد الاشتراكي عنها.
أما بالنسبة للجماعات المقسمة إلى مقاطعات، وبما أنه يتم انتخاب الصنفين معا في نفس اللائحة، نقترح أن يكون الترشيح على مستوى المقاطعات فرديا، وبالتالي ينطبق عليه نظام الاقتراع الفردي؛ وأن يكون الترشيح على مستوى مجلس الجماعة لائحيا وفق الأسلوب الحالي. وهكذا، سيكون الناخب أكثر حرية في اختياراته: يختار مرشحا من بين مرشحي المقاطعة، ولائحة ضمن لوائح الترشيح لمجلس الجماعة.
إن هذا الأسلوب سيقوي العلاقة أولا بين المرشحين على المستوى الفردي لنيل مقعد في مجلس المقاطعة، وبين اللوائح التي سيدافعون عنها على مستوى مجلس الجماعة.
وبهذا نقوي الروابط بين الناخب والمنتخب من جهة، وبين المنتخب واللائحة الحزبية التي سيدافع عنها أو ينتمي للحزب الذي رشحها.
وهكذا نكون قد جعلنا من الجماعة، باعتبارها اللبنة الأساسية للتنظيم الترابي، جماعة قائمة على التعبير المباشر عن إرادة الناخبات والناخبين على مستوى كل الجماعات والمقاطعات، لتبقى فقط مجالس الجماعات المقسمة لمقاطعات، وحدها التي تنفرد بالاقتراع اللائحي.
أخواتي، إخوتي،
إن دستور 2011 من خلال الفصل السابع، جعل الأحزاب السياسية تعمل على تأطير المواطنات والمواطنين وتكوينهم السياسي، وعلى تعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية، وفي تدبير الشأن العام.
فكيف يمكن أن يتأتى ذلك والأحزاب السياسية لا تمتلك سلطة قرب المنتخب من المواطنات والمواطنين، مادام أن نظام اللائحة يباعد بينهم؟
وكيف سيتم إقناع المواطنات والمواطنين بالانخراط في العمل السياسي، وهم بعيدون عن منتخبيهم؟
وكيف سنحبب العمل الحزبي للمواطنات والمواطنين وهم يرون البعد الحاصل بينهم وبين منتخبيهم في الدائرة الانتخابية التي يقطنون بها؟
والأكثر من هذا، فإن الأحزاب السياسية وفق الفصل السابع من الدستور دائما، «تساهم في التعبير عن إرادة الناخبين»، والحال أننا نفرض عليهم لوائح قد لا تضم أي مرشح قريب من محل سكناهم.
إن أسلوب الاقتراع الحالي على مستوى الجماعات والمقاطعات، لا يسمح عمليا للأحزاب السياسية بالتعبير الأمثل عن إرادة الناخبين، وأن الاقتراع الفردي كفيل بسد هذه الثغرة.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة،
بخصوص صلاحيات الجماعات، فإننا نعتبر أن مساهمتها في العمل التنموي ينبغي أن يكون جوهر وجودها. فلا يمكن أن نستمر في اعتبار الجماعات نوعا من البنيات الإدارية التي يسند لها تقديم خدمات إدارية للمواطنات والمواطنين. إن الخدمات الإدارية المرفقية مهمة جدا، لكن بالموازاة معها، فإنه ينبغي الانتباه إلى أن الدستور قد جعل الجهات والجماعات الترابية الأخرى تساهم في «تفعيل السياسة العامة للدولة»، فكيف سيتأتى لها ذلك وهي مبعدة عن العمل التنموي المحض؟
إن إحداث أجهزة مساعدة للمجالس مسألة محبذة، لكن لا يمكن بأي حال من الأحوال قبول إحلالها محل المجلس في القيام بمهامه.
إن نظام اللامركزية، يفترض أن يتم إسناد الصلاحيات إلى المنتخبين وليس إلى أجهزة تتولى تنفيذ مشاريع وبرامج الجماعات. فقد لاحظنا تعميم فكرة شركات التنمية التي تتولى ممارسة الأنشطة ذات الطبيعة الاقتصادية التي تدخل في اختصاصات الجماعات المعنية أو تدبير مرفق عمومي تابع لها. ويتعلق الأمر بشركات التنمية الجهوية، وشركات التنمية بالنسبة للعمالات والأقاليم، وشركات التنمية المحلية بالنسبة للجماعات.
فما هي مكانة هذه الشركات ضمن النظام اللامركزي للجماعات؟
بل وما هي مكانة «الوكالة الجهوية لتنفيذ المشاريع» بالنسبة للنظام اللامركزي للجهات؟
إن هذه الوكالة تقوم بـ «تنفيذ مشاريع وبرامج التنمية التي يقرها المجلس» مما يحوله إلى شبه مكتب دراسات يخطط دون صلاحيات التنفيذ، بل إن هذه الوكالات، يمكنها أن تقترح على مجلس الجهة إنشاء شركات للتنمية تعمل تحت إشرافها؛ وعمليا فإن مدير الوكالة، سيصبح المسير الفعلي لها.
إننا أمام أجهزة تسحب صلاحيات تنفيذ مشاريع وبرامج المجالس من المنتخبين لصالح المعينين، وهو أمر لا يستقيم إلا بإرجاع عملية التنفيذ مباشرة إلى المنتخبين.
وهنا نتساءل:
أليس الدستور هو الذي نص على أن رؤساء مجالس الجهات، ورؤساء مجالس الجماعات الترابية الأخرى، هم الذين يقومون بتنفيذ مداولات هذه المجالس ومقرراتها؟
أليس هذا بمثابة سحب للصلاحيات المخولة للمجالس المنتخبة؟
إننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كنا، وسنظل، مطالبين بالتطبيق السليم لمقتضيات الدستور؛ ونعتبر أن الفرصة مواتية الآن لفتح نقاش موسع حول كل المنظومة التشريعية والتنظيمية المتعلقة بالجماعات الترابية، سواء على مستوى المنظومة الانتخابية ككل، أو على مستوى القوانين التنظيمية الأربعة: القانون التنظيمي المتعلق بانتخاب أعضاء الجماعات الترابية، والقوانين التنظيمية لكل من الجهات، والعمالات والأقاليم، والجماعات والمقاطعات.
إننا نقترح أن يتم ذلك، انطلاقا من الآن، لكي يكون لنا الوقت الكافي لتعميق النقاش، وتفادي الارتجال الذي يفرضه عنصر الزمن عند اقتراب الاستحقاقات.
أخواتي، إخوتي،
إن الغرف المهنية الأربعة ببلادنا، تقوم بتأطير ستة (6) قطاعات تشكل جوهر الاقتصاد الوطني. ويتعلق الأمر بالصناعة، والتجارة، والخدمات، والفلاحة، والصناعة التقليدية، والصيد البحري. ولا يخفى أن هذه المجالات ينبغي أن تتظافر الجهود بخصوصها، قصد الاستفادة من مساهمات كل الأطراف.
لكن مرة أخرى نلاحظ الإقصاء لهذه الغرف من المساهمة الفعلية في العملية التنموية؛ لا لشيء إلا لأنها – على غرار الجماعات الترابية – تضم منتخبين ومنتخبات، يتم اختيارهم بالاقتراع وليس عن طريق التعيين؛ منتخبين ينتمون إلى أحزاب سياسية في أغلب الحالات، وبالتالي يدافعون عن برامج سياسية حزبية.
إننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، نرى أن من المستعجل إعادة النظر في المنظومة التشريعية والتنظيمية المؤطرة للغرف المهنية الأربعة.
فعلى مستوى تشكيل هذه الغرف المهنية الأربع، ينبغي إدخال المزيد من الشفافية على العملية الانتخابية؛ وينبغي أن يتم ذلك بنفس المقتضيات التي تؤطر الاستحقاقات الأخرى.
إن القانون رقم 9.97 المتعلق بمدونة الانتخابات، رغم أنه قد أدخلت عليه تعديلات متعددة منذ سنة 1997 إلى الآن، إلا أننا في حاجة إلى نص منسجم ومتكامل يحل الإشكالات القانونية الواقعية التي ما زالت قائمة لحد الآن:
فكيف يمكن تصور أن كل ما يتعلق بالجماعات الترابية، بما فيها النظام الانتخابي، قد نظمها دستور 2011 بمقتضى قوانين تنظيمية؛ وأنه تم إلغاء كل المقتضيات المتعلقة بها من مدونة الانتخابات؛ في الوقت الذي ما زالت فيه هناك بعض المقتضيات المتعلقة بالجماعات الترابية سارية المفعول لحد الآن؟
ويكفي أن نشير إلى أن مدونة الانتخابات، ما زالت تحمل عنوانا فرعيا تحت اسم: «الأحكام المشتركة لتنظيم الاستفتاءات وانتخاب المستشارين الجهويين وأعضاء مجالس العمالات والأقاليم وأعضاء مجالس الجماعات الحضرية والقروية ومجالس المقاطعات وأعضاء الغرف المهنية».
إن هذه الثغرة القانونية لا يمكن أن تستمر، وبالتالي ينبغي سحب هذا العنوان من هذا النص القانوني؛ ثم بعد ذلك إعادة تنظيم التسجيل في اللوائح الانتخابية لكل غرفة، وإعادة النظر في تشكيل اللجنة الإدارية التي يرأسها العامل وتعويضه بقاض على غرار الجماعات، وإلزامية تسليم اللوائح الانتخابية للأحزاب السياسية، إلى غير ذلك مما ينبغي فتح النقاش حوله.
أما على مستوى الصلاحيات، فإن الديمقراطية التشاركية لا تقتضي الاستماع لهذه الغرف، وجعل مهامها الرئيسية قائمة على أساس تقديم الاستشارة على مختلف المستويات الوطنية والجهوية والإقليمية والمحلية، بل يجب إشراكها في العمل التنموي، نظرا لأهمية مختلف المجالات التي تشتغل فيها. وهو ما يستدعي تجاوز فكرة التعامل مع الغرف المهنية على أنها هيئات لتمثيل الفئات المهنية المعنية؛ ولذا، وجب تجاوز ما يتعلق بالمهام التمثيلية، والمهام الاستشارية، أو حتى مهام الدعم والترويج والتوجيه، لجعل المنتخبين في صلب العملية التنموية الشاملة لبلادنا بتمكينهم من كل الاختصاصات والصلاحيات كما هو شأن نظرائهم في الغرف المهنية للدول المتقدمة.
أخواتي، إخوتي،
إن التنظيم الترابي لبلادنا، وفق الفصل الأول من الدستور، «تنظيم لامركزي، يقوم على الجهوية المتقدمة»؛ ولذا، وجب اعتماد كل آليات اللامركزية: سواء كانت لامركزية ترابية على صعيد الجماعات والمقاطعات، أو العمالات والأقاليم، أو الجهات؛ أو كانت لامركزية على صعيد المؤسسات العمومية التي تعتبر الغرف المعنية الأربعة أحد مكوناتها.
وسيبقى الاتحاد الاشتراكي مدافعا عن التوازن المنشود بين التدخلات المركزية للدولة والتي يتم التخفيف منها عن طريق اللاتمركز، وبين الهيئات اللامركزية بمختلف أصنافها. ولذلك، فإننا ندعو للتوازن بين البنيات الإدارية التي تعتمد على مبدأ التعيين لتمثيل الدولة، والهيئات التي تقوم على أساس الانتخاب لتمثيلية المواطن. إنه التوازن الذي نريده لبلادنا، والذي يرعاه جلالة الملك.
أيتها الأخوات، أيها الإخوة،
من أجل بلورة الأفكار وتطوير التصورات الحزبية حول المؤسسات المنتخبة وأدوارها التنموية، نعقد مؤتمرنا الوطني هذا، ليكون جمعا عاما تأسيسيا للمؤسسة الاشتراكية للمنتخبات والمنتخبين الجماعيين والمهنيين، لتكون قوة اقتراحية وفضاء للتفكير والتداول بين ممثلي الحزب بمجالس الجماعات والغرف المهنية.
وستهتم هذه المؤسسة الاشتراكية، التي ستخضع للضوابط القانونية المؤطرة للجمعيات، بدراسة القضايا المتعلقة بالصلاحيات القانونية المخولة لمجالس الجماعات والغرف المهنية، والقيام بالأبحاث والدراسات في مجال العمل الجماعي والمهني، وتنمية قدرات المنتخبات والمنتخبين، وتوطيد التعاون وتبادل الخبرات بينهم.
وستعمل على نشر وتعميم القيم والتجارب الاشتراكية في تدبير الشأن المحلي والمهني، وتتبع ومواكبة المجالس الجماعية والغرف المهنية، وتقييم عملها بكيفية منتظمة لاستخلاص العبر وتصحيح المسارات، مع تدعيم مشاركة النساء والشباب في تدبير الشأن الجماعي والمهني.
وستكون المؤسسة الاشتراكية مفتوحة أمام المنتخبات أو المنتخبين عن الحزب بإحدى مجالس الجماعات الحضرية أو مجالس المقاطعات أو مجالس الجماعات القروية أو مجالس العمالات أو الأقاليم أو مجالس الجهات، أو بإحدى الغرف المهنية؛ وأيضا ستكون مفتوحة أمام المنتخبات والمنتخبين السابقين باسم الحزب بإحدى المجالس المذكورة.
كما يمكن للسكرتارية الوطنية، التي سيتم تشكيلها، أن تمنح العضوية للاتحاديات والاتحاديين، غير المنتخبات والمنتخبين، والذين تتوفر لديهم خبرة في المجالات ذات الصلة بأهداف ومهام المؤسسة.
وسيتولى تدبير شؤون المؤسسة الأجهزة، التي ستعملون على تشكيلها، من سكرتارية وطنية ومجلس للتنسيق الوطني الذي يتألف من هيئة الرؤساء التي تضم بالصفة كلا من رؤساء مجالس الجهات ورؤساء الغرف المهنية ورؤساء الجماعات الترابية ورؤساء مجالس العمالات والأقاليم، وهيئة ممثلي الغرف المهنية التي تضم ممثلا واحدا عن كل غرفة مهنية، وهيئة ممثلي الجهات التي تضم ممثلا واحدا عن كل مجلس جهوي، إلى جانب البرلمانيين، وممثل واحد عن كل إقليم غير ممثل بالصفة في مجلس التنسيق الوطني باقتراح من المكتب السياسي.
تعليقات الزوار ( 0 )