نطالب بالإسراع بإخراج قانون النقابات ومراجعة قوانين الانتخابات المهنية
من الضروري أن يكون قانون الإضراب واضحاً في تعريفه للإجراءات القانونية للإضراب
تجريم ممارسة حق الإضراب يتنافى مع طبيعة هذا الحق كآلية سلمية للاحتجاج
المعادلة التي تربط بين قانون الإضراب وقانون النقابات وقانون الحوار الاجتماعي تتطلب توازناً دقيقاً
يشرفني أن أتدخل باسم الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية في مناقشة مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بشروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، الذي يعتبر نقطة تحول مهمة في المشهد القانوني والاجتماعي المغربي.
فمنذ الاستقلال، شكل الإضراب أداة أساسية للطبقة العاملة في الدفاع عن حقوقها المشروعة وتحسين ظروف عملها، مما يجعل تنظيمه القانوني مسألة بالغة الحساسية تستدعي موازنة دقيقة بين مختلف المصالح والحقوق.
غير أن المَشرُوع في صيغته الحالية يثير العديد من الإشكاليات الجوهرية التي تمس بجوهر الحق في الإضراب وممارسته الفعلية.
وتبرز الإشكالية الأولى والأساسية في التعريف المحدود الذي يقدمه المشروع لحق الإضراب، إذ يقتصر على فئة الأجراء الخاضعين لقوانين الشغل والوظيفة العمومية، متجاهلاً واقع سوق الشغل المغربي الذي يتميز بانتشار العمل غير المهيكل وتعدد الفئات المهنية، هذا القصور في التعريف لا يتماشى مع المعايير الدولية التي تؤكد على شمولية هذا الحق وارتباطه الوثيق بالحقوق الإنسانية الأساسية، كما يتعارض مع التزامات المغرب بموجب الاتفاقيات الدولية للعمل والمواثيق الحقوقية.
ومن منظور هيكلي، نجد أن مشروع القانون يعاني من إشكالات بنيوية تتجلى في تكرار المواد وتداخل النصوص المتعلقة بالعقوبات، مما يخلق صعوبة في الفهم والتطبيق، كما أن التعريف لم يعكس بالشكل المطلوب أهمية حق الإضراب كحق دستوري/إنساني، ولم يبرز بوضوح التزام المشرع بالمواثيق والاتفاقيات الدولية، وهو الأمر الذي يستدعي مراجعة شاملة للبناء القانوني للمشروع بما يضمن وضوحه وانسجامه مع المبادئ الدستورية والمعايير الدولية.
وعلى مستوى الإجراءات التنظيمية، يثير موضوع النصاب القانوني المطلوب لعقد الجمع العام واتخاذ قرار الإضراب إشكالية عملية كبيرة، خاصة في المؤسسات الصغرى والمتوسطة. فالنسب المرتفعة المقترحة تشكل عائقاً حقيقياً أمام ممارسة هذا الحق، وتتعارض مع مبدأ تيسير ممارسة الحقوق الأساسية. كما أن حصر حق المبادرة في النقابات الأكثر تمثيلية يشكل مساساً خطيراً بمبدأ التعددية النقابية ويحد من قدرة النقابات المستقلة والمنظمات المهنية على الدفاع عن مصالح منخرطيها.
وفي ما يتعلق بالجانب الجزائي، فإن اعتماد عقوبات مقترنة بغرامات ثقيلة تثقل كاهل الشغيلة، يشكل تراجعاً خطيراً عن المكتسبات الحقوقية في مجال الحريات النقابية. فتجريم ممارسة حق الإضراب من خلال عقوبات من هذا الشكل يتنافى مع طبيعة هذا الحق كآلية سلمية للاحتجاج والمطالبة بالحقوق المشروعة، ويتعارض مع التوجهات الحديثة في مجال العلاقات المهنية التي تميل نحو اعتماد آليات وقائية وتصالحية.
ومن زاوية التوافق الاجتماعي، يشكل الحوار والتشاور مع الفرقاء الاجتماعيين مدخلاً أساسياً لتطوير مشروع قانون يحظى بالقبول والمشروعية، فتجارب الدول المتقدمة في مجال تنظيم الإضراب تؤكد أهمية بناء توافقات واسعة حول القواعد المنظمة لهذا الحق، وهذا يتطلب إشراكاً حقيقياً للنقابات والمنظمات المهنية في صياغة المشروع وتطويره، بما يضمن التوازن بين مختلف المصالح المتداخلة.
عطفا على موضوع التوافق – والمناسبة شرط – تجدر الإشارة إلى أن النقطة المتعلقة بمأسسة الحوار الاجتماعي تمر لزاما بإقرار قانون إطار للحوار الاجتماعي، حتى لا يبقى هذا الحوار رهينا بتغير الحكومات ورؤساء الحكومات، ويكون لدينا قانون إطار مرجعي يحدد التزامات واضحة لا على الحكومة ولا على الفرقاء الاجتماعيين، فتقوية العمل النقابي تكون بتحصيل الحق والحرية في الانتماء للنقابات، الأمر الذي يعرف إشكالات كبرى، تتمثل في كون مجموعة من القطاعات محرم فيها التنافس النقابي على قاعدة التنافس الشريف والتمثيل الديموقراطي، الأمر الذي يمس عمق الاختيار الديمقراطي لبلادنا، فضلا عن الهجوم على الحريات والحقوق النقابية التي لا نستوعبها، خاصة في القطاعات العمومية.
اليوم نتفق جميعا على مسألة تقوية النقابات، بل أكثر من ذلك نطالب بالإسراع بإخراج قانون النقابات وفرض المراقبة المالية عليها ومراجعة الترسانة القانونية المنظمة للانتخابات المهنية، ذلك أن هذه المنطلقات هي سبب النتائج التي نناقشها اليوم.
إن الحديث عن تقوية النقابات، نقطة مفصلية في سياق مناقشة قانون الإضراب، على اعتبار أن التنظيم النقابي هو الأساس لتفعيل هذا النوع من القوانين داخل الوحدات المقاولاتية أو وحدات القطاع العمومي، حيث أنه خلال العشر 10 سنوات الصارمة، تم ابتداع بدعة التنسيقيات، ومع كامل الأسف الحكومات السابقة فتحت لها المجال وأصبحت تجلس وتتفاوض معها، الشيء الذي ألحق ضررا بالغا بالتمثيلية النقابية وبالمشهد النقابي.
إن قانون الإضراب الذي يناقش اليوم يرتبط بشكل وثيق بقانون النقابات، إذ تُعتبر النقابات الممثل الشرعي للعمال في تنظيم الإضرابات والدفاع عن حقوقهم، مما يجعلها الوسيلة الرئيسية لتنسيق وتنظيم الإضرابات بشكل قانوني ومنظم.
إن المعادلة القانونية التي تربط بين قانون الإضراب وقانون النقابات وقانون الحوار الاجتماعي تتطلب توازناً دقيقاً لضمان تحقيق العدالة الاجتماعية والاستقرار الاقتصادي، فقانون الحوار الاجتماعي سيمثل الحلقة التي تُكمل هذا التوازن، حيث سيُشجع الأطراف المعنية، من عمال ونقابات ومشغلين وحكومة، على الجلوس إلى طاولة الحوار قبل اللجوء إلى الإضراب كحل أخير.
لكن نجاح هذه المعادلة يتطلب انسجاماً بين القوانين الثلاثة. فمن الضروري أن يكون قانون الإضراب واضحاً في تعريفه للإجراءات القانونية للإضراب، وأن يُحدد قانون للنقابات دورها في تسيير الحوار وتنسيق المطالب، بينما يُشدد قانون الحوار الاجتماعي على ضرورة استنفاد كافة السبل التفاوضية قبل الإقدام على الإضراب.
ختاما، إن معالجة هذه الإشكاليات تستدعي مراجعة شاملة وعميقة للمشروع تأخذ بعين الاعتبار البعد التنموي والاستراتيجي للعلاقات المهنية ببلادنا، فالإضراب ليس مجرد آلية احتجاجية، بل هو مؤشر على مستوى النضج في العلاقات بين الشركاء الاجتماعيين، لذلك، فإن تنظيمه يجب أن يندرج في إطار رؤية شاملة تهدف إلى تطوير علاقات مهنية متوازنة تساهم في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة، مع الحرص على حماية الحقوق الأساسية للعمال وضمان آليات فعالة لممارسة حق الإضراب في إطار يحترم الحريات النقابية والمعايير الدولية.
تعليقات الزوار ( 0 )