محمد إنفي
حين اختار الاتحاد الاشتراكي، في مؤتمره الاستثنائي سنة 1975، النضال الديمقراطي، لم يفعل ذلك اعتباطا ولم يكن هذا الاختيار ترفا فكريا، بل كان تعبيرا عن تحول عميق في منظوره الفكري والسياسي والإيديولوجي. وقد انبثق هذا التحول من التحليل العميق والدقيق لبنيات الدولة والمجتمع المغربيين، وحصلت القناعة، لدى أطر الحزب ونخبه، بأهمية الديمقراطية في تحديث هذه البنيات بهدف الوصول إلى دولة المؤسسات.
ويكفي الاتحاد الاشتراكي فخرا أن يشهد له التاريخ بالدور الأساسي الذي لعبه في الهامش الديمقراطي الذي تحقق ببلادنا. وقد قدم، من أجل ذلك، تضحيات جسام، يشهد عليها تقرير هيئة الإنصاف والمصالحة.
وإذا كانت ديمقراطيتنا لا تزال فتية وبناؤها لا يزال هشا، فذلك راجع إلى كون طريق الديمقراطية شاق وطويل، والسير فيه يحتاج إلى نفس طويل وإلى صبر كبير وتضحيات أكبر. كما أن الديمقراطية لا تختزل في الانتخابات، وإن كانت هذه الآلية هي التي تحدد مكانة كل تنظيم في مؤسسات الدولة، إن في الأغلبية أو في المعارضة.
ودون العودة إلى تهديد الدولة والمجتمع بالفتنة والعربدة في الشارع من قبل المسؤول، سياسيا ومؤسساتيا، على الانتخابات ما لم يحتل حزبه المرتبة الأولى فيها، نشير إلى أن مثل هذه المواقف تسيء إلى صورة بلادنا وإلى بنائنا الديمقراطي الذي يريد البعض أن يخلط فيه الأدوار وأن يجعل التنافس يسير في اتجاه واحد، هو الفوز، وإلا…؟؟؟ بينما التنافس الانتخابي كالتنافس الرياضي؛ فيه الفوز والتعادل والخسران.
وقد يكون الفوز بحصة ثقيلة والخسران كذلك. وتقتضي الروح الرياضة تقبل الهزيمة وتهنئة الخصم الفائز، سواء تعلق الأمر بالمنافسة الرياضية أو المنافسة السياسة. وهذا ما يحدث في البلدان المتقدمة والديمقراطيات العريقة.
وغالبا ما تكون النتائج، في الرياضة كما في السياسة، متناسبة مع الإمكانيات المتوفرة والاستعدادات الاستباقية، ما لم تتدخل عوامل أخرى من قبيل الغش والتلاعب وغيرهما.
وإذا وضعنا، جانبا، ما يمكن أن يحدث، في بلدنا، خارج الملعب، سواء في الرياضة أو في السياسة، بهدف إفساد اللعبة والتحكم في النتائج (من قبيل شراء الحكام وإرشاء لاعبين في الفريق الخصم وتقديم رشاوى انتخابية عينية أو نقدية، الخ)، فإن مستوى انخراط أو تخاذل الفاعلين، كل الفاعلين، في التحضير للمباراة المنظورة يبقى مُحدِّدا للنتائج المحصل عليها.
وبعد أن وضعت المعركة الانتخابية أوزارها وأسفرت محطة 7 أكتوبر، حسب التقارير الرسمية، عن النتائج التي عرفناها، أسمح لنفسي، كمناضل اتحادي، بعد أن أقدم التهاني للحزب الفائز، بأن أعبر، من جهة، عن تخوفي العميق بأن تزداد الأوضاع العامة سوءا وترديا- مادام الحزب الحاكم، المتبني للبرالية المتوحشة، هو الذي سيقود الحكومة المقبلة، خصوصا وقد خبرناه في التراجعات عن المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والحقوقية…، التي قدم من أجلها الشعب المغربي تضحيات جسام؛ وأعلن، من جهة أخرى، عن استغرابي الكبير من موقف المتخاذلين الذين ظلوا، إما على هامش المعركة يتفرجون وينتظرون ما سيسفر عنه النزال الانتخابي لاتخاذ موقف، إما بإخراج خناجرهم (وهو موقف الجبناء) والانقضاض على البقرة بعد سقوطها (“مللي كطيح البقرة كيكثروا اجناوة”؛ وهو ما يحدث حاليا على صفحات “الفايسبوك”) أو بالمباركة نفاقا حين تكون النتيجة إيجابية، وإما أنهم “باعوا” أنفسهم لغيرهم وقدموا خدمات لخصوم حزبهم إن بالتصويت أو بغيره من الخدمات؛ وإلا فكيف سنفسر النتائج الضحلة التي حصلنا عليها في بعض الجماعات التي لنا بها مستشارون وبها فروع حزبية…إن لم تكن الخيانة وعدم القدرة على الصمود أمام الإغراءات المختلفة، من هذه الجهة أو تلك؟
وما دفعني، في الواقع، إلى الخوض في هذا الموضوع، هو موقف بعض المتخاذلين الذين لا يتورعون، من خلال تفاعلهم وتعليقاتهم بـ”الفايسبوك”، عن إعطاء الدروس للذين كانوا في المعمعة، وينسون أنهم، أخلاقيا وسياسيا، هم أحق بتلقي هذه الدروس. ثم هناك رهط من الناس يزعمون الغيرة على الاتحاد الاشتراكي ولسان حالهم يلهج بالتشفي وسلوكهم لا يختلف عن الذين يقتلون القتيل ويمشون في جنازته، مولولين ونائحين.
لذلك، أرى أنه، أخلاقيا، لا يجوز للاتحاديين الذين اختاروا التصويت لجهات أخرى أن يتحدثوا عن نتائج حزبهم الذي خانوه بتصويتهم لغيره. ثم إن الاتحاد ليس عقيما لينتظر الدروس ممن هب ودب. فله مؤسساته التمثيلية وله أجهزته التقريرية التي يرجع إليها الأمر في اتخاذ ما يلزم من قرارات (ومنها، مثلا، الشروع في التحضير للمؤتمر المقبل) لمواجهة الوضعية التي ليست، على كل حال، جديدة. أما النقد والانتقاد الذي يأتي من الذين كانوا في الساحة، بهذا القدر أو ذاك، فلا أخال إلا أن يكون مُرحَّبا به مهما بلغت درجة حدته وقسوته
تعليقات الزوار ( 0 )