أثار الخطاب الملكي في افتتاح الدورة التشريعية ليوم 14 أكتوبر الأخير، قضية أساسية في تطور الدولة المغربية، وتتعلق بضرورة إصلاح الإدارة، التي أصبحت مشاكلها محنة بالنسبة للمواطن وعرقلة واضحة للاستثمارات وللمقاولات، و لحاجيات حسن سير الحياة العامة.
غيرأن معالجة هذه المعضلة، ليس من السهولة بمكان، كما يتبادر إلى الذهن من الوهلة الأولى، كما لو أن الأمر يقتضي الاكتفاء ببعض الإصلاحات الضرورية من قبيل رقمنة الإدارة والمعطيات، واتخاذ إجراءات لضمان الشفافية، وغيرها من التدابير الجيدة، التي تضمن ما سمي في أدبيات المنظمات الدولية بالحكامة، التي يضيف البعض لها مصطلح، «الرشيدة».
لقد حظيت مسألة الإدارة، باهتمام كبير من طرف الفلاسفة والمفكرين، فقد اعتبر هيجل، بأن الدولة هي العقل المحقق لذاته، بما يحمل كل هذا من معاني حول التنظيم العقلاني للإدارة، الأمر الذي تعرض له ماكس فيبر، عندما اعتبر أن البيروقراطية، كنمط مثالي، أي كتصور نظري بحت، تتمتع بكل مقومات العصرنة والحديث.
واعتمد ماكس فيبر في نظريته على مقومات أساسية، من قبيل تجرد الموظفين «البيروقراطيين» من المصلحة الشخصية، وخضوعهم لتنظيم مجرد وموضوعي، ينفي شخصنة العلاقات، ويسعى نحو تطبيق القانون والإجراءات بصرامة. غير أن عدة انتقادات وجهت لهذه النظرية، حيث اعتبرتها مغرقة في المنهج النظري، ولا تصمد أمام المنهج التجريبي، الذي يثبت أن البيروقراطية، أصبحت رديفا، للجمود والفساد والكسل والروتين والتعالي في العلاقة مع الجمهور.
بل لقد أطلقت تسمية «البيروقراطية» على كل الأنظمة المتحجرة، مقابل الأنظمة المتفتحة والمبدعة، التي تعتمد على كفاءات جيدة وعلى مناهج الشفافية والنجاعة، لذلك فالمعضلة ليست مغربية صرفة، مما يعقد مهمة أي إصلاح في المغرب، لأن الآفة عامة، ولا تقتصر على بلدان العالم الثالث.
الوضع يختلف من مجرّة كونية، لأخرى، حيث تتميز مجرّة العالم الثالث، الذي ننتمي له، بخاصيات متميزة، إذ تتحول الإدارة إلى فاعل رئيسي، في الحياة العامة، على كل المستويات، الاقتصادية والاجتماعية والتدبيرية، من سلطة ترابية وأمنية، وغيرها من مقومات الدولة.
لذلك ذهب المفكر الكبير، عبد الله العروي، إلى اعتبار أن متطلبات وإكراهات التسيير العقلاني للدولة، تلزم الإدارة بمقومات التحديث، وتؤكد تفوقها على باقي مكونات المجتمع، من أحزاب وغيرها من الهيئات، ليس لأن الدولة متقدمة، بطبيعتها، بل لأنها مضطرة من أجل مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، لأن تبحث عن النجاعة والكفاءة، لدوام استمراريتها.
غير أن انحرافات سياسية وسوسيولوجية واقتصادية، ضاغطة على هذا الدور، قد تحول الإدارة من سلاح للتحديث والعقلانية، إلى أداة للزبونية والمحسوبية والفساد والقهر الاجتماعي، مما يتطلب إصلاحا جذريا شاملا، لن يكون سهلا.
تعليقات الزوار ( 0 )