عن جريدة الاتحاد الاشتراكي
حج يوم، الأربعاء 5/7/2017، إلى قاعة المعهد الملكي البحري بمدينة سلا، ثلاثون خبيرا وباحثا من الأطر المغربية المتخصصة في مجال الهجرة، بدعوة من عبد الكريم بنعتيق، الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المكلف بالمغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة، المبنية على مفهوم الإشراك والتشارك من أجل منظومة متكاملة للتداول في كافة القضايا المتعلقة بالهجرة، وتستند إلى التشخيص والمقترحات الكفيلة بالتوجه إلى المستقبل في ملف مازال يحتاج إلى توحيد الجهود وتطويرها كخطة وضعتها الوزارة لإشراك أهل الاختصاص في تناول مجموعة من القضايا التي لديها علاقة بالهجرة واللجوء، وهي الجملة النواة التي عززها خطاب افتتاح اللقاء الذي ألقاه وزير القطاع، مشددا على إيمانه بثقافة الإنصات والتداول مع ذوي الاختصاص، معتبرا فضاء الجامعة الذي خبره كطالب وكباحث، هو فضاء في صلب الاقتراحات الجوهرية الفكرية والعلمية والمعرفية في تقويم مسارات صناعة القرارات الحكيمة.
وأكد الوزير أن الفاعل العمومي يشتغل في ملفات غالباً ما تكون مُعقدة، ولا يمكن التفاعل معها بمنطق قانوني وإداري، بل بإشراك أهل الاختصاص ليكونوا طرفا أساسياً في بلورة مجموعة من الاختيارات، وحين تتم ترجمتها يكون دور الخبير والباحث هو فهم أسباب عدم نجاح الآليات لكي يتم تطويرها وإعطاؤها نفساً آخر.
وضمن هذه القناعات الجوهرية في مفهوم التدبير العام لدى وزير القطاع عبد الكريم بنعتيق، الذي برهن بالفعل أنه قادر على خلق هذا الانسجام بين الفاعل الحكومي المدبر للشأن العام وبين الباحث والخبير الذي غالبا ما كان يردد أفكاره داخل الأسوار الجامعية، في اجترار للنكسة التي ضربت البحث العلمي في بلادنا، استطاع بنعتيق أن يخلق تفاعلا ايجابيا مع أسماء وازنة في الساحة الوطنية والدولية الذين حجوا لسلا من مختلف الجامعات المغربية، نذكر من بينها بالرباط وسلا وبني ملال والجديدة ووجدة وطنجة وأكادير والقنيطرة، وهي الأسماء الوازنة التي قال بنعتيق إنه يؤمن بها في إطار اعتزازه بالأطر والخبراء المغاربة، الذين أبانوا من خلال النقاش المستفيض امتلاكهم لآلية البحث العلمي والمعرفي لقضايا اللجوء والهجرة على المستوى القانوني والاجتماعي والاقتصادي والفكري والثقافي والديني، وهي الآلية التي بدا الوزير أنه في حاجة إلى من يتقاسمها معه في الإنصات المشترك لتدبير ملف بمنطق تشاركي في بلد حديث العهد باستقبال المهاجرين، مشيرا في نفس المنوال إلى أن المغرب الذي نريد اليوم أن نشرك فيه الفكر والبحث العلمي والجامعة بأبعادها المعرفية في تعميق النقاش وتطوير القوة الاقتراحية في هذا الملف، لديه الريادة في مجال الهجرة واللجوء، و أن ملك البلاد أصبح مكلفاً من لدن الاتحاد الإفريقي ببلورة سياسة للهجرة على المستوى الإفريقي، علما أن هناك 32 مليون مهاجر إفريقي في العالم؛ منهم 16 مليونا في إفريقيا يحتاجون بالفعل إلى المقاربة التشاركية التي ينهجها المغرب. ولأن الوزير ممتلك لأرقام ومعطيات جوهرية كان لتفاعل الخبراء بعده في المطالبة بمزيد من التنسيق لجعل المختبر العلمي ينبني على معطيات دقيقة تنتج منظومة الاشتغال بالتحليل وخلق خرائط طريق يشتغل فيها العقل الجامعي ويدبر فيها المرفق العمومي بمفهوم التشارك المنفتح على كافة المقترحات بما فيه خدمة لملف الهجرة واللجوء في بلادنا.
وفي هذا الصدد، قال عبد الفتاح الزين، الأستاذ الباحث بالمعهد الجامعي للبحث العلمي (جامعة محمد الخامس) ورئيس فضاء الوساطة والمنسق الوطني للشبكة المغربية العبر وطنية للهجرة والتنمية، إن ” الهجرة لم تعد تشكل اليوم ظاهرة بالمفهوم المتعارف عليه في إطار العلوم الإنسانية والاجتماعية والتي تجب “محاربتها أو الحد منها”، وإنما أضحت مسألة اجتماعية باعتبارها تحيل على قضايا التماسك والرابط الاجتماعي، وكذا الكيفية التي ينتظم بها المجتمع من أجل وضع سيرورات التضامن وبالتالي محاولة تجنّب الفوضى “l’anomie “الاجتماعية وتفكك الروابط، إلى جانب تمظهر العنف بأشكاله المختلفة. فمع العولمة بما لها وما عليها والتي ساهمت في تطورات معقدة ومفارِقَة من حيث الولوج إلى الحقوق والتمتع بها، عرفت الهجرة تحولات متسارعة جعلتها مسألة عالمية ومتميزة بعرض آنيتها من حيث أنها مرتبطة بالوجود الاجتماعي للشخص ككائن اجتماعي في علائقيته المتعددة ذلك أن الصورة الأصلية للشخص غير المرتبط اجتماعيا (الذي لا رابط له داخل المجتمع لسبب من الأسباب) تختزل في التشرد والذي بدأ يتصاعد بفعل انعدام الأمن الاجتماعي وتزايد حدة الهشاشة، وهو ما أفرز اهتماما دوليا، سواء باسم الأمن الوطني أوفي إطار التعاون الدولي باسم الأمن الإنساني.وهو ما فرض أن الهجرة لم تعد موضوع دراسة من طرف علم من العلوم الإنسانية الاجتماعية، ناهيك عن تعددية المقاربات التي أصبحت تتناولها، هذا دون نسيان مختلف تمظهراتها إلى الحد الذي حول هذه التمظهرات إلى تخصصات فرعية سواء على مستوى نوعية الهجرة (هجرة عمل، لجوء … هجرة إيكولوجية والتي أضحت آخر شكل)، كما أن الهجرة من حيث طبيعتها أصبحت تتعدد توصيفاتها بين الموسمي والحركية … يضاف إلى هذه الجوانب المتعلقة بالحقوق، الاقتصاد والتحويلات، الثقافة والمشاكل الاجتماعية، الحكامة والقضايا السياسية …إلى الحد الذي جعل المنظمة الدولية للهجرة تصدر قاموسا للمصطلحات المتعلقة بحقل الهجرة … وهو ما جعل بعض الباحثين يرون أن الهجرة أصبحت نظرية. وأضاف أنه حضر كل المنتديات العالمية العشر التي انعقدت حول الهجرة والتنمية بمختلف القارات والدول، وكانت له فرصة المشاركة خلال أول منتدى انعقد ببروكسيل سنة 2007 في المساهمة في مراجعة ورقة مقدمة إلى إحدى الورشات الموازية التي انعقدت خلال أيام المجتمع المدني إلى جانب باحثين ومختصين آخرين حول موضوع: “أهمية العلاقة بين الهجرة والتنمية والتعارض بين الهجرة الاختيارية والهجرة الضرورية”. وأردف قائلا:” لقد حضرت إلى هذا المنتدى من خلال تجربة شخصية غنية سواء على المستوى الأكاديمي أو ضمن العمل الجمعوي الوطني والدولي … هذه المواكبة حاولنا من خلالها إسماع الصوت المغربي ليس فقط في ما يتعلق بالدفاع عن الهجرة المغربية وطنيا ودوليا، ولكن أيضا لدعم إشعاع البحث المغربي في مجال الهجرة. وهو ما زلنا بحاجة إليه ليس فقط كباحثين ولكن أيضا كفاعلين جمعويين. وفي هذا الصدد، فإن العمل المشترك على هذا المستوى يطرح مسألة العلاقة بين التنظير والممارسة، بمعنى أن العمل المدني يستفيد من العمل الفكري والبحث العلمي، كما أن هذا الأخير يستفيد من الأول في النهوض به؛ ذلك أن علاقة تجويد كل من منهما هي علاقة عضوية. وهذا ما يساعد الفاعل السياسي في إطار هذه العلاقة الثلاثية العضوية، على إرساء حكامة تعمل على النهوض بالحقوق ووضع سياسة هجروية ينظر إليها كدعامة تنموية، سواء على المستوى الوطني أو في إطار التعاون الدولي، سواء في شقيه الثنائي أو المتعدد الأطراف أوكتعاون مركزي (بين الدول) أو تعاون لا مركزي (عن طريق برامج جمعيات الهجرة).
ومع الإشارة إلى أهمية الاشتغال حول قضايا الهجرة بالمغرب بمختلف جوانبها القانونية والحقوقية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، سواء ما تعلق بالجاليات المغربية المقيمة بالخارج أو الأجانب بالمغرب على اختلاف وضعياتهم، فإن الاستراتيجية الوطنية حول الهجرة وكذا السياسة التي انبثقت عنها تشكل نقطة ضوء على الصعيد العالمي بالرغم من أنها تتطلب تجويدا يأخذ بعين الاعتبار الالتزامات الدولية، سواء بالنسبة للمغرب أو بالنسبة لمكونات النظام العالمي (بلدان الانطلاق وبلدان العبور إلى جانب بلدان المقصد)، في إطار مسؤولية مشتركة. وهذا لا يجب أن ينسينا أن البعد المتعلق بالاشتغال على الهجرة لا يجب أن يقتصر فقط على الإشعاع المغربي وتقوية مكانته الإقليمية والدولية بالنظر لما أشرنا إليه أعلاه، لأن الهجرة ليست فقط سياسة تدبير للحقوق والخدمات ولكنها أيضا سياسة لبناء المشروع المجتمعي الديموقراطي الحداثي، من خلال تثمين دور مغاربة العالم في خدمة التنمية الوطنية وتقوية المكانة الدولية للمغرب ليس فقط بتحويلاتهم المالية، ولكن أيضا رأسمالهم البشري والمعرفي. وهو ما يتطلب سياسة تدعم الحضور المغربي في مختلف المحافل لإسماع صوته والتعريف بمميزاته واستقطاب الاستثمارات الدولية والانتشار الإقليمي والدولي للاستثمارات الوطنية.
وهناك فرضية يجب الاهتمام بها، وتتعلق بما يلي : ففي إطار العولمة والوضعية الإفريقية التي ننتمي إليها ليس فقط جغرافيا ولكن أيضا بشريا وثقافيا وحضاريا وبالنظر لموقع المغرب الجيواستراتيجي، فيمكننا القول إن تاريخنا تأسس على تجدُّد كان دائما مصدره الجنوب (المرابطون، الموحدون … العلويون)، بينما تجدد المغرب اليوم رهان يقوم على مدى استثمار مواردنا في الشمال والتي يشكل مغاربة العالم نواتها الصلبة. وهو نموذج جديد ليس فقط من حيث أنه مؤسس على الهجرة (انظر مؤلف جون كينيدي، أمة من المهاجرين ) ولكنه نموذج من حيث طبيعته إن استطعنا بلورته عبر تثمين مواردنا البشرية وإدماج موارد بشرية غالبيتها من القارة التي ننتمي إليها و التي أصبحت بلدان الاستقبال التقليدية (الغرب عموما) تتأفف من فتح الحدود أمامها مع نوع من اللامبالاة بالدين الاستعماري وبواجب الذاكرة.
وأعتقد أن انعقاد المنتدى العالمي للهجرة والتنمية بالمغرب (مراكش خلال شهر ديسمبر 2018) سيكون فرصة لبلورة تصور فريد حول الثنائي(هجرة – تنمية) بما يجعل الفضاء الإفريقي مشتلا للتعاون جنوب – جنوب لهذا النموذج الذي تتوفر حاليا أهم مكوناته وعناصره. ولعل فرصة الاجتماع الذي انعقد بدعوة من عبد الكريم بنعتيق الوزير المنتدب لدى وزير الشؤون الخارجية والتعاون الدولي المكلف بالمهاجرين المغاربة المقيمين بالخارج وشؤون الهجرة بالنادي الملكي البحري بورقراق بسلا (5 يوليوز 2017) بعدد من الجامعيين الباحثين والمختصين في مجال الهجرة ستساعد على فتح ورش تكون في الهجرة هدفا ووسيلة. وهنا تكمن الجدية في النموذج التنموي الذي نحن اليوم في حاجة إليه وطنيا وإقليميا ودوليا”.
7 يوليو 2017
تعليقات الزوار ( 0 )