الحفاظ على التعددية كان عنصرا مساعدا في الحفاظ على استمرارية المجتمع والدول والمؤسسات
العالم العربي في حاجة إلى عقل جديد، فالتصحر في المجال الفكري هزم العقل، وأضعف المنطق
قال الحبيب المالكي إن قضية الإرهاب أصبحت ظاهرة «معولمة» جذورها مرتبطة بأسباب مختلفة داخلية وأخرى خارجية . وأضاف المالكي في حوار مع قناة On Live المصرية أن الحفاظ على التعددية كان عنصرا مساعدا في الحفاظ على استمرارية المجتمعات والدول والمؤسسات، وهذا ما ميز المغرب مع مد وجزر حسب تاريخه، منذ بداية الاستقلال وفيما يلي النص الكامل للحوار
– دعني أسألك ، السيد الرئيس ، أولا عن أهمية وجود مصر والمغرب جنبا إلى جنب في حالة لو صح التعبير أن نسميها قطبية في علاج مشاكل المنطقة أو في حل بعض الملفات الشائكة … ؟
– أولا، لابد من التذكير بالعمق التاريخي للعلاقات الثنائية بين المملكة المغربية وجمهورية مصر العربية ، علاقات تمتد منذ مرحلة طويلة جدا وحاسمة في تاريخ المغرب بدءا بالكفاح من أجل الاستقلال ، حيث كان عدد من القادة التاريخيين، قادة الحركة الوطنية المغربية ، قد استوطنوا القاهرة وكانت هذه الأخيرة بمثابة منبر للدفاع عن قضية الشعب المغربي ومساندته في قضيته الوطنية من أجل الحصول على الاستقلال .
وأذكركم كذلك بأن التكوين الفني للمغاربة على مستوى الأغنية والسينما وكل ما له علاقة بالإنتاج الفني، كان دائما من داخل المدرسة المصرية بجميع مكوناتها وأبعادها ، لذلك ما نعيشه اليوم هو امتداد لما عشناه في العقود الأخيرة .
وهناك بالإضافة إلى كل ذلك ثوابت مشتركة على مستوى السياسة الخارجية للبلدين ، كالدفاع عن أمن واستقرار ووحدة الشعوب العربية .
ما يميز مصر والمغرب وما يجمعهما أيضا هو انشغالهما بقضايا المنطقة العربية ، خصوصا في ظل التوتر الذي يعرفه عدد من البلدان العربية المجاورة ، والمغرب كما مصر كان دائما سباقا وحريصا على اعتماد سياسة التوازن حتى يساهم في إيجاد حلول عادلة ومنصفة لتوفير الحد الأدنى من الشروط ، والحفاظ على وحدة كلمة الشعوب العربية ووحدة الصف العربي .
وكما نعلم جميعا فالحوار بين البلدين مستمر ، رغم تذبذب الأوضاع في المناطق المجاورة وتأثيرها المباشر وغير المباشر على استمرار وتطور هذا الحوار الذي يعتمد في أساسه على مثل هذه اللقاءات التي تشرفت بها بدءا بحفاوة فخامة الرئيس عبد الفتاح السيسي، ثم رئيس مجلس الوزراء ، ووزير الخارجية والوزير المكلف بالعلاقات في مجلس النواب . كل هذه الدعوات واللقاءات المصحوبة بمجموعة من النقاشات التي تصب في الصالح العام جعلتني أشعر – كما أشرت في البداية – أن حميمية العلاقات عميقة وثابتة ، وأن هناك تطابقا في الرؤية والحلم بوحدة الصف العربي ، والعمل من أجل نصرة القضية الفلسطينية ، ومناهضة الإرهاب ، ذلك الخطر اليومي الخارج عن المنطق والشرعية الدولية وتعاليم ديننا الحنيف .
– دعني أستوقفك قليلا من أجل توضيح بعض الأمور وتحليلها ، فأنا أتحدث الآن مع رئيس البرلمان المغربي ، ولكن أيضا مع رجل سياسي قادم من عباءة اليسار والاشتراكية ، ويعي جيدا كيفية التفكير التقدمي والبعد عن كل ما هو غير إنساني .
السيد الرئيس ، ما الذي يدفع بالمنطقة نحو حافة التطرف والإرهاب في نظرك ؟
– قضية الإرهاب أصبحت ظاهرة «معولمة» مع الأسف الشديد ، جذورها مرتبطة بأسباب مختلفة في نظري ، داخلية وأخرى خارجية . ومن أسبابها الداخلية مثلا العجز عن فتح المجال لإدماج الشباب ، وهناك سبب ثان يتجلى في الفهم الخاطئ للدين الإسلامي ، دين الوسطية والاعتدال ، ودين الانفتاح والتسامح والقبول بالآخر المختلف ، هذا الفهم الخاطئ والتمرد ضد القيم الإنسانية ، هو ما عصف بمجتمعاتنا ودفع بها نحو العنف والغلو والتطرف .
ومن ثم لا بد من إيجاد حلول جذرية . وأنا اعتقد أن من أهم الحلول وأولاها هو إشراك الشباب ، وزرع الثقة لديه في المستقبل ، وفي السياسات العمومية التي ينبغي أن تهدف إلى الحفاظ على كرامته وتوفير الشروط ليصبح فاعلا ومؤثرا في القرار ، حتى يشعر ويطمئن إلى أن مستقبله ليس غيبيا أو خارجا عن منطق العقل . ينبغي على الشباب أن يؤمن بأن المستقبل يوجد على أرض وطنه، بين أهله، حتى يسهم في بناء وتشييد مجتمع الغد . إذا استطعنا أن نقوم بذلك كمسؤولين سياسيين على جميع المستويات، فأنا متأكد من أن الشباب عوض أن يكون مادة سهلة للتطرف سيصبح مادة قوية، متينة من أجل بناء المستقبل .
– هل الحلول بهذا الشكل تصبح حلولا في الإطار السياسي والاقتصادي أو قد تسبقها الحلول الفكرية مثلا . أسألك الآن وأنا أستحضر أن المغرب هو الدولة العربية الوحيدة التي جمعت الشمال بالجنوب منذ دولة المرابطين في المغرب والأندلس، الدولة الوحيدة التي تطل على البحر المتوسط والمحيط الأطلسي . فأنتم كمغاربة لكم خصوصية مختلفة عن كل الشعوب العربية ، فالمغرب كما نعلم جميعا هو أرض الفلسفة والفنون ، أرض البحر المتوسط، أوروبا وإفريقيا وفي مرحلة ما شكل من ذلك أو أجزاء من ذلك دولة واحدة . هل تعتقد بأن هناك حلا مغربيا لمسألة التطرف والإرهاب، حل فكري إن صح التعبير ؟
-لقد اخترنا ، منذ البداية ، ما يسمى بالتعددية السياسية، والتعددية الثقافية، وأفق التسامح والتساكن بين الديانات، كما المجتمع المصري تماما في تعدده وتسامحه ، إذ تعيش المسيحية واليهودية والإسلام جنبا إلى جنب ، بالإضافة إلى ممارسات دينية أخرى مرتبطة بقرون بعيدة جدا.
هذا الغنى في التنوع ينبغي التشبث به والحفاظ عليه والدفاع عنه بكل ما أوتينا من قوة ووعي وحرص.
التاريخ يعلمنا دائما أن الحفاظ على التعددية كان عنصرا مساعدا في الحفاظ على استمرارية المجتمعات والدول والمؤسسات، هذا ما ميز المغرب مع مد وجزر حسب تاريخه، منذ بداية الاستقلال، أي منذ سنة 1956، إلى يومنا هذا . وهذا ما يترجمه الآخرون بالاستثناء المغربي .
كما أن هناك معطى مؤسساتيا تاريخيا سياسيا دينيا هاما جدا وهو المؤسسة الملكية ، باعتبارها عنصرا محوريا في الحفاظ على الاستقرار، واستمرارية الدولة ، وعنصر رئيسي في كل ما له علاقة بالمراجعة والنقد والتجديد كذلك وتدبر الشأن الديني ووضع القواعد والخطوط الحمراء. والتشبث بالدين الإسلامي في عمقه الوسطي كدين وسطي متسامح ومنفتح على الآخر كيفما كان رأيه، وكيفما كانت ديانته، مما يجعل المغرب يتميز بخصوصيات متعددة، لكن لكل بلد ولكل مجتمع خصوصيته وعبقريته، كل الشعوب لها عبقرية معينة، وعبقرية الشعب المصري وتاريخ مصر هو جزء كبير من تاريخنا، كمغاربة عرب . إذا ضعفت مصر ضعف الوطن العربي، وإذا تقوت مصر، تقوى الوطن العربي.
– هل تعتقد ، السيد الرئيس ، أن الشعوب العربية في علاقتها مع بعضها، هي على ما يرام، أم أنه قد أصبحت هناك على مدار السنين شوائب بسبب السياسة أحيانا ، وبسبب استقطابات فكرية أحايين أخرى ، مما أدى إلى وجود هذه المشاهد المؤسفة والمحزنة في العراق واليمن وسوريا وليبيا … ؟
– أنا أعتقد بأن هناك تراجعا فكريا في مجالات مختلفة، حتى لقد بات بإمكاننا وصفه بالتصحر الفكري في المجال السياسي، وفي مجالات متعددة مرتبطة بأنظمتنا التربوية والتكوينية التي لم تعد لها القدرة على مواكبة كل تطورات العصر . دعني أقل لك بكل صراحة إن ممارسة السياسة بدون فكر تؤدي إلى الطريق المسدود، فالفكر اجتهاد وإنتاج وتجديد ومساءلة، وضده هو الدوغمائية والتطرف، والاعتقاد بامتلاك الحقيقة ، إذ ليست هناك حقيقة مطلقة في عالمنا اليوم، كل شيء نسبي، والإيمان بالنسبية والعمل في ظلها يساعد على التعلم والإنصات ويربي فينا التواضع في السلوك وحسن التدبير . فما أحوجنا اليوم إلى فكر مجدد، ما أحوجنا إليه اليوم نحن العرب في كل المجالات .
– نعرف أن المغرب من الدول المهمومة بشدة ، كذلك مصر ، بمسألة الأوضاع في ليبيا ، كيف ترى الأوضاع في ليبيا ؟ وكيف تنظر إلى المستقبل وأي حل في نظرك ؟
– لقد قام المغرب بعدة مبادرات في هذا الاتجاه ، إذ كان مبادرا وسباقا لربط اتصالات مع كافة الأطراف ، وذلك تحت رعاية الأمم المتحدة . وقد توصلنا إلى ما أصبح يعرف باتفاقية الصخيرات، التي اعتبرها الجميع أرضية مساعدة لإيجاد حل سياسي متوافق عليه. ونحن نرحب بكل المبادرات في هذا الاتجاه وندعمها على أساس الحفاظ على التوازن من أجل بناء الدولة الجديدة في ليبيا . هدفنا أن نحافظ على وحدة ليبيا أولا ، لأن ما يهدد عددا من البلدان العربية هو تقسيم وحدتها الترابية . وإذا استمرت هذه الأوضاع المتردية في ليبيا فسيكون لها تأثير على الدول المجاورة ، خصوصا مصر التي تأوي الآلاف من المواطنين الليبيين وكذلك الفوضى التي تميز الأوضاع الليبية لها تأثير سلبي على الأوضاع الداخلية لمصر، وكل ما يهدد استقرار مصر فهو يهدد استقرار المنطقة شرقا وغربا وجنوبا كذلك، لذلك فنحن جميعا معنيون بما يعيشه الشعب الليبي الشقيق وبمستقبله .
– هل نحن كعرب أطراف أكثر فاعلية من الأطراف الغربية في حل الملف الليبي، حيث أصبح متداولا حل الفيدرالية في ليبيا ؟ واسمح لي هنا أن أضيف سؤالا آخر، هل حل الفيدرالية هو الحل الأنجع أو اللائق للمنطقة العربية بالأساس ؟
– إذا كانت هناك صيغ مؤسساتية ، سياسية تحافظ على الوحدة الترابية لليبيا وتأخذ بعين الاعتبار الأوضاع الحالية فمرحبا بها ، لكن الكلمة الأخيرة حتما للشعب الليبي .
– هل الكلمة الأخيرة فعلا للشعب الليبي في تقرير مصيره أم أن هناك أطرافا أوروبية هي التي تحدد الكثير من المسارات ؟
– مع الأسف الشديد، لقد أصبح القرار الخارجي يعوض قراراتنا كشعوب عربية في مراحل تاريخية دقيقة جدا، والتدخل الأجنبي يساهم في توتير الأوضاع وتأزيمها ، لذلك نؤكد ونتشبث بوحدة الصف العربي، وندعو إلى تفعيل عمل الجامعة العربية كذلك ، ولا أقول أكثر من ذلك . كل هذا سيدعم كلمة الشعوب العربية ويعطيها مصداقية ووزنا ، ويجعلها أكثر تأثيرا على القرارات التي تهمها حاضرا ومستقبلا ، هذا ما نأمله وما نطمح إليه .
– في رأيكم كيف يمكن النهوض بدور الجامعة العربية وتفعيل قراراتها ؟
– ينبغي القيام بإصلاح عميق وهيكلي على أساس حد أدنى من التوافق بين جميع البلدان العربية الأعضاء، والزمن الذي نعيشه اليوم يتطلب منا حدا أدنى من الجرأة، بدون جرأة لا يمكن أن نحرك من الماء الراكد الذي أصبح غير قابل للشرب، والذي قد يتحول إلى مستنقع متعفن يضر بالجسم العربي .
– أنا أتذكر أنه منذ قرابة عشر سنوات، أصبحت هناك بعض الدعوات التي ترى أنه لا حاجة لنا بالجامعة العربية وأنه قد تكون هناك حاجة للتجمعات الإقليمية ؟
السيد الحبيب المالكي : نحن في حاجة إلى الجامعة العربية، لكن بصيغة وبصلاحيات جديدة، وبأدوات عمل وبآليات متجددة ، لاتخاذ القرارات الجيدة كذلك .
-هل القرارات في الجامعة العربية في حاجة إلى قوة عسكرية على سبيل المثال، القوة العربية المشتركة، هذه القوة التي حلم بها الكثير من الزعماء والقادة ، ولم تفعل حتى هذه اللحظة؟
– هذه القوة العسكرية التي تتحدث عنها مرتبطة بالقوة السياسية أولا، هناك جدلية في العمل، لذلك لابد من إصلاح عميق للجامعة العربية حتى تصبح ذات مصداقية ومؤثرة في القرار إقليميا ودوليا .
– الأنظمة العربية على مدار عقود كثيرة عرفت تشنجا مع بعضها البعض، وأحيانا كانت تدخل في حروب باردة ما بين بعضها البعض حتى على مستوى التصريحات «المستترة» في بعض الأحيان . هل تعتقد أن الأزمات الكثيرة التي مرت بها المنطقة على مدى سبع سنوات مضت، قد تؤدي إلى المزيد من النضج العربي، ونضج العقل السياسي العربي ؟
– العالم العربي في حاجة إلى عقل جديد، فالتصحر في المجال الفكري هزم العقل، وأضعف المنطق وأصبحنا نعيش حروبا صغيرة بدون رهان ، حيث أصبحنا عاجزين عن مواجهة التحديات ؛ تحديات العولمة، وتحديات الوجود، ووضع استراتيجية في المجال الاقتصادي، في المجال الثقافي، في كل المجالات التي تحافظ وتساعد على كرامة المواطن العربي كيفما كان البلد الذي يعيش فيه . نحن أصبحنا خارج التاريخ، ولم نكن في الموعد رغم إمكاناتنا في المجال الديمغرافي، والاقتصادي، لم نستغل إمكاناتنا كموقع جيوسياسي، أصبحنا لا نتحكم حتى في مصيرنا، بمعنى آخر أن العامل الزمني لا ندبره بأيدينا بل يدبر لنا، وهذا وضع مؤلم جدا.
أنا لست متشائما ، لكن علينا أن نستدرك ما ضيعناه زمنيا . وإذا كانت هناك رجة ، وكان هناك طموح، وجرأة في اتخاذ القرارات، ونظرة بعيدة لما ينبغي أن نكون عليه سنة 2050 على سبيل المثال، فأنا متأكد من أن العقل العربي سيصبح هو الحكم ، وهو الفاعل والمؤثر.
– أصبحنا نرى أن هناك دعوات انفصالية شرقا وغربا وجنوبا، ووقفنا نتفرج جميعا حتى انفصل جنوب السودان وصار جمهورية مستقلة . هل سنشهد جمهوريات جديدة تنفصل عن الكيانات العربية لتشكل دولا مستقلة والمزيد من التفتت ؟
– تاريخ مصر تاريخ وحدوي، هناك مبادرات متعددة، وتاريخ المغرب كذلك تاريخ وحدوي . وقد قمنا بعدة محاولات في هذا المجال، لكن تأثير العوامل الخارجية وقوة القرار الخارجي أثر كثيرا على مجرى الأحداث داخل عدد من البلدان العربية . والقوى الأجنبية وطموح إضعاف باقي مكونات العالم وفي مقدمتها العالم العربي، لذلك الجواب على وحدة الصف هو استقلالية القرار، الجواب هو تجديد العقل العربي، وإصلاح كل أدوات التدخل التي تساعد على توحيد كلمة الشعوب العربية . هذا هو الجواب الحقيقي ، ولن يتم ذلك إذا استمرت الأوضاع بهذا السوء . إن هذه الأوضاع هي التي جعلت من عدد متزايد من الشباب يحلم بالحياة خارج وطنه .
– الشباب يتحججون دائما بأن الحكومات لا تلبي طموحاتهم ولا تساعدهم في صياغة أحلامهم ، وإذا كانت أغلب حكوماتنا مراقبة برلمانيا، فيصح لنا أن نستفسر عن دور البرلمانات العربية ؟
– المؤسسات البرلمانية هي مرآة لمستوى تطور مجتمعاتنا. علينا أن نقوي دورها، ونوسع صلاحيتها وأن نجعل منها مرآة للمستقبل . وهذا يتطلب دمقرطة المجتمع . كما يتطلب دمقرطة الدولة أيضا وجعل الشباب فاعلا رئيسيا، إذ لا بناء ولا تنمية خارج إشراك الشباب، هذه هي المعادلة الرئيسية التي تكتسي بعدا مستقبليا وحيويا .
البنية الديمغرافية لمجتمعاتنا بنية شابة، وبدون توظيف هذه البنية الديمغرافية الشابة من الصعب جدا أن نفكر في المستقبل .
– البرلمانات العربية تلتقي وتتلاقى من حين لآخر أو في اجتماعات دولية فهل هي تتعاون بالفعل ؟
– كل المجالات التنسيقية من أجل التواصل والبحث عن حلول مشتركة لا يمكن إلا أن نساندها، والاتحاد البرلماني العربي يقوم بهذا الدور منذ منتصف السبعينيات من القرن الماضي، وهناك مواضيع توحد البرلمانات العربية بالأساس وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ومحاربة الإرهاب. هذه مواضيع أعتبرها نقط التقاء ونقط إجماع بين كل البرلمانات العربية، لكن البرلمان في حد ذاته هو أداة مرحلية في مسلسل البناء الديموقراطي، وبرلماناتنا الآن مرآة للمرحلة الانتقالية . فالنضج الديمقراطي لا يمكن أن يأتي من الفوق، إنه تفاعل مع الأحداث وانبثاق من تربة المجتمع .
– أليس هذا التدرج بطيئا نوعا ما، عندما نقارنه بالعالم من حولنا ؟
– الديمقراطية ليست وصفة جاهزة قابلة للتطبيق ، أنا أؤمن بالخيار الديمقراطي الذي أعتبره اختيارا مجتمعيا ، إذ لا يمكن أن نستمر بدون ديمقراطية، لكن في الوقت نفسه لابد من مراحل انتقالية .
إنني ممن يؤمنون بهذا الطرح والتصور، بغض النظر عن وتيرة البناء الديمقراطي البطيئة في عالمنا العربي نظرا لبعض التفاعلات السلبية ، لكن ينبغي أن نؤمن حقا أن هذه التوترات والأزمات لا يمكن تجاوزها إلا بالبناء الديمقراطي السليم .
– للمغرب تاريخ طويل في دعم حق الشعب الفلسطيني ، وفي عروبة القدس بالأساس ، وخصوصا في الأزمة الأخيرة الخاصة بقرار دونالد ترامب في تفعيل مسألة نقل السفارة الأمريكية إلى القدس ، والبرلمانات العربية الآن لديها انشغالات فلسطين / القدس ، والإرهاب ، فماذا نحن فاعلون بخصوص القدس في ظل قوة تعطل قرار مجلس الأمن لا تعتد بقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة ؟
– القضية الفلسطينية تضررت أساسا لأننا أصبحنا سجناء مواقف نعتبرها مبدئية ولا تقبل المناقشة ، حتى أصبحت هذه المواقف دون مصداقية بالنسبة لشعوبنا . لقد حان الوقت لاتخاذ قرارات ملموسة . وهذا لا يمكن ان يتم ويؤثر على مجرى الأحداث إلا إذا تحركت الجامعة العربية واتخذت مواقف جريئة في هذا المجال .
نحن نعتبر أن قرار إدارة ترامب خطير جدا ويناقض الشرعية الدولية وكل ما قررته الأمم المتحدة. لقد حان الوقت لتتخذ الجامعة العربية بعض القرارات في المجال الدبلوماسي والاقتصادي ، بدون ذلك لدي اليقين بأن القضية الفلسطينية ستصبح نقطة خلاف بيننا لا نقطة توحد الصف العربي ، وهذا خطر جديد يهدد الجامعة العربية ، ويهدد مستقبل بلداننا . إذا لم نجد حلا جريئا للقضية الفلسطينية، أنا متأكد من أن المنطقة كلها ستعيش تراجعا كبيرا جدا في كل المجالات .
-قرارات جريئة تتخذها الجامعة مثل ماذا ؟
– أنا لست عضوا في الجامعة العربية ، لكن للجامعة العربية ما يكفي من تجربة لتتخذ ما يجب اتخاذه .
– هل هي مواقف مبدئية أم أطروحات قديمة راسخة في عقول معينة بعضها يحمل تاريخا غير جيد، وبعضها يحمل تاريخا أكثر من جيد؟ هل هي متعلقة بالمبادئ أم أنها متعلقة بشخصنة الأمور ؟
– أولا ينبغي أن نعمل جميعا كجامعة عربية لتوحيد أشقائنا الفلسطينيين وهذا شيء ضروري ، فالمنطلق هو وحدة الصف الفلسطيني ، وأنا متأكد أن وحدة الصف الفلسطيني ستساعد وستساهم في وحدة الصف العربي ، فالشعب الفلسطيني في حاجة إلى الأمل وإلى متنفس جديد . وهذه الآمال مرتبطة بقدرة العالم العربي على اتخاذ القرارات الضرورية للجواب عن الاستفزاز الكبير كنتيجة لقرار الإدارة الأمريكية الحالية .
– الاستفزازات ستظل موجودة ، وستظل القرارات الأمريكية مع الأسف الشديد فاعلة ، طالما هناك تياران يتصارعان على السلطة أو يختلفان ، وهناك خلاف آخر «فتح وحماس» ، ثم إن هناك ما تفضلتم بوصفه بخلافات عربية حول القضية ، هل يعقل أن هذا الإقليم الثري وصاحب المهمة الجيوسياسية والذي يقع في موقع استراتيجي تجاري وتكنولوجي ، أن يكون بهذا الضعف الشديد لدرجة أنه يصل في أحايين إلى تسول قرار أمريكي ، لماذا ؟
– لأن الأوضاع العربية أوضاع متأزمة كل واحد ينفرد بأخذ مواقف معينة إزاء قضايا مشتركة ، لذلك، فالتوقيت ليس بريئا من طرف الإدارة الأمريكية ، في ظل أزمة يعيشها العالم العربي ، أزمة متعددة الأبعاد. اتخذ القرار لأن الإدارة الأمريكية تعلم بأنه سوف لا يكون هناك أي رد فعل قوي .
لقد قام جلالة الملك محمد السادس كرئيس لجنة القدس، بما ينبغي أن يقوم به كرئيس لهذه اللجنة ، لكن ليست هناك مبادرات قوية تجعل من القرار الأمريكي منطلقا لتصور جديد لمستقبل وطننا العربي ، هذا هو بيت القصيد.
– هل بعض المصالح العربية الأمريكية تحول دون اتخاذ مواقف عربية أكثر قوة أو أكثر جذرية لو صح التعبير ؟
– ما يتحكم الآن في أوضاعنا الداخلية ، هو العوامل الخارجية .
– تفضلتم بالقول في منتصف الحوار «أنا لست متشائما» ، ولكن هل لديكم قدر من التفاؤل يقول إننا سنرى أن التحكمات داخل المنطقة العربية وفي قراراتنا ليست خارجية ؟
-من يؤمن بالعقل يظل متفائلا .
الكاتب : حاوره: يوسف الحسيني
تعليقات الزوار ( 0 )